اضطرابات النوم والاكتئاب

- Advertisement -

اضطرابات النوم والاكتئاب

بقلم بشرى شاكر

لا شك أن الاكتئاب بات أحد الأمراض النفسية الأكثر شيوعا الآن في أوساط مجتمعاتنا العصرية، حيث افتتنا بكثرة المشاغل وسرعة الحياة وقد أبانت دراسات حديثة أن من 80 إلى 90 في المائة من الذين يعانون من الاكتئاب يصابون بالأرق ويعانون من اضطرابات النوم، كما أن هذه الأخيرة قد تكون أيضا سببا للاكتئاب أو لزيادة حدته.

اضطرابات النوم التي تصاحب بقية أعراض الاكتئاب تعد بمثابة ناقوس خطر يعلن عن بداية الدخول في حالة من الاكتئاب، وتتشكل في صعوبة الخلود للنوم حيث يتقلب الانسان كثيرا دون أن يشعر أنه يريد النوم وإن كان متعبا، الاستيقاظ بصفة متكررة ليلا، واستيقاظ مبكر على غير العادة حتى مع قلة الساعات التي قضاها نائما.

كما أن مراحل النوم المعروفة تتغير، فتنقص فترة النوم العميق وتقارب فترات نوم حركة العين السريعة (REM) ويكون هناك تمدد غير عادي للفترة الأولى من نوم حركة العين السريعة.

المشكل الكبير أن العديد من الأعراض المتعارف عليها أثناء الاصابة بالاكتئاب قد تقل خلال معالجة الاكتئاب إلا أن اضطرابات النوم ليست من بين هذه الأعراض، فهي تبقى مستقرة إلى أن يتعافى المريض وبالتالي تنهك جسمه أيضا وتؤثر على عمله أو دراسته بشكل سلبي للأسف، فنفسية متعبة وجسد مرهق من قلة النوم واضطرابه لا يسمحان للفرد بأن يؤدي مهامه بشكل حسن.

ويعد الأرق أثناء تشخيص حالات الاكتئاب عامل مقلق أكثر، فهو يشكل عرضا مهما ينبئ بالإصابة بالاكتئاب لدى من يعاني من أليكسيثيميا  alexithymicويفتقر للكلمات للتعبير عن مشاعره ويعاني كذلك من اضطرابات جسمانية وكذلك لدى الاشخاص الذين يعانون من الاكتئاب الجزئي dysthymia وهي اضطرابات المزاج وتكون أقل حدة من الاكتئاب، هؤلاء يشعرون أيضا باضطرابات النوم على شكل صعوبة في الذهاب للنوم واستيقاظ متكرر ليلا مثلما يحصل للأشخاص الذين يعانون من القلق والتوتر.

وهذه الأعراض وردت فيما أسمي بجرد الاكتئاب للبروفسور “آرون بيك”  وهو طبيب نفسي في جامعة بنسلفانيا وأستاذ علم العلاج المعرفي وهي وسيلة معمول بها عادة في طب النوم.

ومن بين أعراض الاكتئاب المذكورة في هذا الجرد، نجد ما يتعلق بالنوم، حيث أنه بين الجرد يذكر: استفيق ساعة أو ساعتين قبل موعد استيقاظي الطبيعي وأشعر بصعوبة في الخلود للنوم.

اذا صاحبت هذه الاعراض أخرى ذكرت في الجرد وهي 21 حالة من بينها الشعور بالحزن وعدم الثقة في المستقبل، اعتبار الحياة الخاصة عبارة عن تسلسل للإخفاقات إلى غير ذلك من التساؤلات التي يطرحها جرد البروفيسور بيك والتي إن رافقت اضطرابات النوم المذكورة، فمعناه أن الأمر ليس عضويا وإنما يتعلق بالدخول في حالة اكتئاب.

هذا الجرد يدخل فيما أسماه البروفيسور بيك، الأفكار الأوتوماتيكية وقسمها لثلاث أقسام، أفكار سلبية لدى المريض عن نفسه وعن العالم وعن المستقبل.

هناك أيضا مظهر آخر من مظاهر اضطرابات النوم لدى المرضى بالاكتئاب وهو الافراط في النوم، فحوالي 20 في المائة يشتكون من النوم فترات أطول على الاعتيادية، إلا أن الاختبارات السريرية أبانت أن الاستلقاء على السرير لفترة أطول لا يعني نوما صحيا او بالأحرى لا تشكل فترة نوم أطول، فمن يشعر أنه يفرط في النوم لأنه مكتئب أو من يقل نومه عند الاكتئاب، يتقاسمان نفس الأعراض، فبسبب نومهم المضطرب، فالاثنين يشعران بنقص في الطاقة الحيوية وتعب شديد حتى وإن كانت فترة الراحة اطول….

الافراط في النوم قد يكون أيضا نتيجة ما يسمى الاكتئاب الموسمي أو اكتئاب الفصول حيث من الطبيعي  بسبب انخفاض هرمون “السيروتونينSerotonin وتحوله مع تقلص أشعة الضوء إلى ميلاتونين“Melatonin، الشعور بالإعياء والرغبة في النوم والإرهاق، في مثل هذه الحالات إن اشتد اكتئاب الشخص فغاليا ما يعالج بما يسمى العلاج بالألوان أو العلاج الضوئي Light therapy.

هناك أيضا عدة حلول لعلاج اضطرابات النوم الناجمة عن الاكتئاب وهناك مثلا حل قد يبدو غريبا ولكنه مجرب، يتجلى في منع المصاب من النوم! فعلى غير المتوقع ومن المفارقات، أنه إن حرمت المريض من النوم يبدأ مزاجه في تحسن بعد وقت قصير من ذلك إلا انه ليس علاجا دائما للاكتئاب ولاضطراب النوم، كما يمكن استعمال أقراص مضادة للاكتئاب ثلاثية الحلقات Tricyclic antidepressent أو مهدئات مثل ترازودون، ميترازابين، إلى غير ذلك وكذلك مضادات الاكتئاب الحديثة (مثبطات امتصاص السيرتونين) وطبعا كل هذا بوصفة طبيب نفساني معالج الذي يمكن أن يصف له علاجات أخرى متلائمة ووضعيته النفسية والصحية.

وكما أن اضطراب النوم يشكل عارضا من أعراض الاكتئاب، إلا أنه قد يكون أيضا مسببا للاكتئاب، فمن يعمل كثيرا وينام قليلا معرض أكثر للاكتئاب، كما أبانت ابحاث أخرى أنه معرض أيضا للسمنة ولأمراض القلب وغير ذلك، ولأهمية النوم للصحة النفسية والجسدية فقد جاء ذكره في عدة مواقع في القرآن الكريم ففي سورة الفرقان”وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا”، ولعل اكثر فترة تمكن الانسان من الراحة والاستيقاظ بحيوية أكبر هي فترة النوم العميق وهي الفترة التي تقل لدى مرضى الاكتئاب وقد اكتشف العلماء أن هذه الفترة تكون بمثابة سبات اكبر وقطيعة مع العالم، تنفصل فيها ملايين الخلايا الدماغية عن نظيراتها لتتصل أثناء اليقظة، كما لو كان بمثابة عازل كهربائي يفصل الكهرباء عن الآلة التي هي جسم الانسان وهو ما يعتبر موتا مؤقتا فيقول الله سبحانه وتعالى في سورة الزمر”الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى إلى اجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”