التبوريدة: الذاكرة والتراث والثقافة

علاء البكري

يشتد اهتمام المغاربة بفن التبوريدة مع حلول فصل الصيف من خلال المهرجانات والحفلار والمواسم التي تنظم داخل المملكة، حتى أضحى هذا الفن علامة مميزة لهذه الفعاليات، سيما وأنه يجمع بين الكثير من الطقوس  ذات الدلالة التراثية المتأصلة في الشعب المغربي منذ قديم الزمان.

ويعود أصل هذا الفن الفرجوي إلى القرن الخامس عشر ميلادي، حينما كان وسيلة للجهاد ضد الغزاة، حيث كان المغاربة من المجاهدين يمتطون ظهور جيادهم وينتظمون في صفوف حاملين الأقواس والنبال، قبل أن تعوَّض هذه الأقواس والنبال ببنادق البارود في القرن السادس عشر، إلى أن صارت التلوريدة مع توالي الأزمنة والعصور فنا فلكلوريا فرجويا تنظم له مهرجانات وطنية ودولية.

وتتعدد المناسبات التي يحتفل بها المغاربة والتي تتخللها عروض من فن “التبوريدة” مثل حفلات الأعراس والمواسم والعقيقة والختان. وتمثل هذه الوصلات الفنية المغرقة في الرمزية اختزالا للطقوس الكرنفالية والفلكلورية لدى المغاربة التي ينسجم فيها اللباس مع الغناء والرقص والفروسية والأضحية والنار.. في سياق متناغم.

ويعتبر “فن التبوريدة” أحد أقدم أشكال الاحتفال التقليدي بالمغرب سواء في المناسبات والأفراح أو في التظاهرات التي كانت تنظمها السلطة أو القبيلة أو ما يطلق عليه في المغرب “الموسم”. ويندرج ضمن الفنون الاستعراضية التي تتوخى الفرجة والاحتفالية.

يصطفّ عدد من الفرسان وهم يمتطون الأحصنة والأفراس، ويرتدون زياً تقليدياً موحداً. تقف الخيول والخيالون -أو ما يطلق عليه في الثقافة الشعبية “السّربة”- على رأس المضمار لإلقاء التحية عبر إحناء الرأس، ثم تؤدي الأحصنة رقصة استعدادية، تناغماً مع الأهازيج التي تؤديها فرق شعبية مصاحبة. ثم ينطلق الفرسان بأحصنتهم من بداية المضمار المستطيل الذي يحفه الجمهور، وتبدأ الخيول في الحركة بإيقاع يتدرج مع المسافة، ويشرع الخيالة في أداء حركات متناسقة بالبنادق والألجمة.

ويرتدي الخيَّال في أغلبية الأقاليم جلباباً وبرنساً أبيضين وحذاءً خاصاً بالفروسية التقليدية أصفر اللون يسمى “التماك”، ويمتشق خنجراً وحقيبة جلد تراثية. وفي الجنوب والصحراء يرتدي الفرسان اللباس الصحراوي الأزرق والعمامة السوداء. وتُصنع بندقية البارود من الخشب الأحمر وماسورة الحديد، وتزين بخواتم وحلقات من النحاس أو الفضة أو الذهب حسب المكانة الاجتماعية والاقتصادية للفارس، أو حسب درجة ولعه بعالم الفروسية.

ألبوم صور بعدسة المبدعة فروح ليلى بل الفقير

وقد اعتاد الخيالة المغاربة على استعمال سروج مزينة وملونة وأرسان وركائب وأحزمة منمقة يعدها أمهر الصناع التقليديين في البلاد، الموجودين بالأساس في أعرق المدن المغربية مثل فاس ومراكش.

إن نجاح التبوريدة كفن شعبي فلكلوري فرجوي يجمع بين الرياضة والفلكور، كفيل باحترام مجموعة من الشروط التي يجب على الفارس التحلي بها على غرار الشجاعة والإقدام والقوة والانضباط والحرص على سلامته وسلامة زملائه وفرسه، وكذلك وجب على الفرس أن تكون صغيرة السن، بالغة الطول، وحرة عزيزة النفس.

ونشير في الختام إلى أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) لم تتوان في تصنيف هذا الموروث الشعبي العريق وإدراجه ضمن اللائحة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي سنة 2021، واصفة إياه بالفن الشعبي الثقافي الأصيل.

وجدير بالذكر أن مجلتكم “فرح” سبق وأن تناولت، خلال شهر شتنبر من العام المنصرم، ملفا كاملا حول فن التبوريدة، سيما تلك التي تتعلق بالنساء، للتعريف بهذا الموروث الثقافي الضاربة جدوره في أعماق أرض بلدنا الحبيب المغرب.

وتجدد اهتمام المجلة بهذا الموضوع، بعدما توصلت ببعض الصوز الإبداعية المُشِعَّةِ بالحس الفني، والملتقطة بعدسة المبدعة وعاشقة الفرس والفروسية السيدة فروح ليلى بلفقير، التي نقدم لها الشكر الجزيل على الإهداء الرائع البهي.

Exit mobile version