حوار مع سفيرة المملكة في الفاتيكان، رجاء ناجي مكاوي

أمير المؤمنين وقداسة البابا: القائدان الدينيان الوحيدان في العالم

رجاء ناجي مكاوي

ما دلالة تعيين جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، للكاردينال بيترو بارولين، رئيس حكومة الفاتيكان، عضوا بأكاديمية المملكة المغربية؟

 

يتعلق الأمر بالكاردينال بيترو بارولين Parolin Pietro ، وهو رئيس حكومة دولة الكرسي الرسولي (الفاتيكان)، ويسمى أمين سر الدولة، وبالتالي فهو الشخصية الثانية بعد البابا.

و”الكاردينال” رتبةٌ في سلم الكنيسة الكاثوليكية، ومن يرتقي لهذه المنزلة يصبح عضوا في مجمع الكرادلة، ومؤهل لشغل منصب البابا (الحبر الأعظم). ومعلوم أن البابا ينتخب وفق مراسيم محددة وسرية تامة من قبل مجمع الكرادلة.

وفي إطار إعادة هيكلة أكاديمية المملكة، تفضل جلالة الملك محمد السادس نصره الله، بتعيين السيد بارولين عضوا فخريا  فيها. تعيين يحمل أهمية علمية ورمزية كبيرة على أكثر من صعيد، سواء بالنسبة للقيمة المضافة التي يقدمها حضور شخصية دينية كاثوليكية من مقام كاردينال، من تعارف وتعدد ديني، وتبادل ثقافي… أو بالنسبة للعلاقات بين المملكة المغربية والكرسي الرسولي، التي تضرب جذورها في عمق التاريخ منذ العهد المرابطي (القرن الحادي عشر).

ومعلوم أن الكرسي الرسولي،Siège  Saint، والمعبر عنه عادة بدولة الفاتيكان، أو الكنيسة الكاثوليكية أو كنيسة روما، ليس بالدولة الصغيرة كما يصفها البعض، بل لعلها أكبر دولة،  إذ تحكم أكثر من مليار ونصف من منتسبيها من عرب العالم (أوروبا والأمريكيتين وأستراليا، وجزء من آسيا وأفريقيا)، وهي أكبر مرجعية بالنسبة للدول المسيحية.

كما يعبر تعيين شخصية مهمة داخل الكرسي الرسولي، من رتبة الكاردينال بارولين، عن الأهمية القصوى التي توليها المملكة المغربية لتعزيز الحوار بين البلدين والتبادل الحضاري والثقافي والتعارف المتبادل والتفاهم والتفاعل والتقارب، بما يكفي لتجاوز الاختلافات. وهي أهداف سطرها جلالة الملك، أمير المؤمنين، في خطبه المتتالية، وذات الأهداف التي تسعى أكاديمية المملكة لتعزيزها، كما شددت على ذلك رسالة العاهل المغربي الموجهة إلى أعضاء هذه المؤسسة العريقة، في هيكلتها الجديدة، بمناسبة انعقاد دورتها الأخيرة في نونبر 2023.

ويعكس تعيين الكاردينال بيترو بارولين، عضوا فخريا في أكاديمية المملكة، أيضا عمق العلاقات الإيجابية التاريخية التي تربط المملكة المغربية بالكرسي الرسولي ورغبتهما في تعزيزها.

كما يندرج هذا التعيين في إطار الاهتمام المشترك لصاحب الجلالة الملك محمد السادس والبابا فرنسيس بالقضايا الشائكة في عصرنا، وجهودهما المتواصلة لتعزيز المبادئ العالمية، مثل بناء السلم، والدفاع عن القضايا العادلة، وحماية الأسرة، والتنمية المستدامة، والتدبير الإنساني والآمن لملف الهجرة، وتغير المناخ، والتضامن العالمي، ومكافحة الفقر، وتعزيز ثقافة التسامح، والأخوة الإنسانية، والاحترام المتبادل، والعيش المشترك، فضلا عن التشبث بالتعاون متعدد الأطراف كإطار عالمي للتعامل مع مختلف التحديات الدولية.

 

من هو الكاردينال بيتروبارولين، أمين سر دولة الفاتيكان؟ وما هي الشروط التي خّولت له العضوية الفخرية في أكاديمية المملكة المغربية؟

 

الكاردينال بيتروبارولين (إيطالي)، شخصية بارزة، يحتل أرقى رتبة في الهيكل التنظيمي للكرسي الرسولي بعد البابا فرانسيس، ويشغل منصب رئيس الحكومة، أمين سر  حاضرة الفاتيكان منذ31 غشت2013. وشغل قبلها عدة مناصب رفيعة، أبرزها  في المجال الدبلوماسي، حيث كان يشغل منصب أمين العلاقات مع الدول (وزير الخارجية)، وقبلها سفيرا رسوليًا في فنزويلا.

كما تقلّد مهمات تفاوضية جلّى، منها المفاوضات الخاصة بتبين معاهدة منع انتشار النووي، ومهمات شائكة لعدة دول من بينها كوريا الشمالية وفيتنام، وشارك في مؤتمر أنابوليس حول الشرق الأوسط الذي عقدته إدارة بوش. وهو أحد مهندسي إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الكرسي الرسولي وفيتنام، ومهندسي الاتفاقية المؤقتة بشأن تعيين الأساقفة، المبرمة في 2018 مع جمهورية الصين الشعبية.

وبفضل خبراته الغنية ومنصبه الهام داخل الكرسي الرسولي، يسهر الكاردينال بيترو بارولين على تنفيذ وتعزيز أولويات ومبادئ دبلوماسية الفاتيكان، ولا سيما تلك المتعلقة بتعزيز الحوار وتعزيز السلم والأخوة في العالم.

ما واقع العلاقات بين حاضرة الفاتيكان والمملكة المغربية، بما يحمله الطرفان من رمزية دينية؟

 

تضرب علاقات المملكة المغربية والفاتيكان في عمق الدولة المرابطية ثم الموحدية، وصولا إلى الدولة العلوية.

ففي 2019، شد القديس فرنسيس الرحال إلى المغرب، لما سمعه عن مقام إمارة المؤمنين في المملكة المغربية، حرصا منه على لقاء أميرالمؤمنين، الذي يتولى حماية المؤمنين من كافة الأديان. وفي 1888، أوفد السلطان الحسن الأول بعثة إلى الفاتيكان برئاسة سفيره محمد بن العربي الطريس إلى البابا ليون الثالث، بمناسبة اليوبيل.

وفي المغربالحديث، وفي إطار استمرارية انفتاح المملكة، تبوأ المغرب صدارة الدول المسلمة التي ربطت علاقات دبلوماسية رسمية مع الفاتيكان منذ 1976، ومباشرة بعد ذلك قام المغفور له الحسن الثاني بزيارة هي الأولى من رئيس دولة مسلمة إلى الفاتيكان 1980، رّد عليها البابا بزيارة رسمية هي الأولى إلى أرض السلام سنة 1985.

وتوطدت العلاقات أكثر في عهد جلالة الملك محمد السادس، نصره الله، أميرالمؤمنين، بفضل تلاقي رؤى جلالته مع منظور البابا فرنسيس، حول القضايا الشائكة ورغبتهما المشتركة في مواصلة تعزيز العلاقات الدبلوماسية والحوار المستمر بين بلديهما، خدمة لقضايا السلم العالمي وصون القيم الخالدة. فغداة اعتلاء جلالته لعرش أسلافه الميامين، قام بزيارة للفاتيكان سنة 2000.

وفي مارس 2019، قام البابا فرنسيس بزيارة تاريخية للمغرب ترجمت  عمق العلاقات والتقدير المتبادل  بين عاهلي الدولتين. وهي الزيارةالتي لازال قداسته يذكرها بكل اعتزاز وحنين وعاطفة، وذكرها الكاردينال بارولين في أكثر من مناسبة، ونّوه بها خلال العشاء الذي أقيم على شرفه في إقامة السفارة المغربية.

وقبل زيارة 2019، وخلالها وبعدها، زادت متانة العلاقات وتوطدها، وتبادل العاهلان رسائل هامة ورفيعة، من بينها مثلا ترقية البابا لأسقف الرباط وطنجة الكاردينال كريستوفر لوبيز روميرو وتعيينه في دولة غير مسيحية، هو شيء استثنائي، ويحمل أكثر من دلالة ورسالة.

وللإشارة، ففي العالم بأسره، لا يوجد سوى قائدين دينيين: العاهل المغربي وقداسة البابا. والعاهلان، باعتبارهما زعيمين روحيين، ما فتئا يبذلون مجهودات جبارة للدعوة إلى تعزيز الأخوة والتضامن الإنساني والتعايش السلمي والمعرفةوالاحترامالمتبادل، محاربة العنف والتعصب، وتعزيز السلام في العالم.

ولعل العالم بأسره يذكر نداء القدس الموقع في الرباط من قبل جلالته، بصفته رئيس لجنة القدس وقداسة البابا، أثناء زيارته التاريخية في مارس2019. وهو نداء شاهد على الجهود التي يبذلها العاهلان من أجل السلام في الشرق الأوسط، وكذا الحفاظ على الطابع الخاص لمدينة القدس، كمدينة لكل الأديان وكمدينة تجمع ولا تفرق، كما هو واضح من خلال ندائهما المشترك.

وللإشارة أيضا، فمباشرة بعد العشاء المقام على شرف الكاردينال بارولين، خرج شخصيا بتصريح غير مسبوق، دعا فيه إلى وقف ما سماه لأول مرة بالمذابح في الأراضي الفلسطينية، وأدان العنف الممارس على المدنيين في غزة. ويكتسي هذا التصريح أهميته بعدما كانت تصريحاته قبل ذلك تصب في اتجاه إدانة حركة حماس باستمرار.

وأثناء العشاء دارت حوارات ركزت كثيرا على الإبادات التي تستهدف المدنيين لا سيما الأطفال والنساء والشيوخ.

والحقيقة أنه لم يكن مجرد عشاء، وإنما كان تكريما لشخص الكاردينال بيترو بارولين، ومناسبة لتعريف الضيوف بعراقة المملكة المغربية وتميزها الحضاري الذي لا يشبه أية حضارة أخرى، والذي يتفرد بطقوس الشاي وفخامة أواني إعداده، وما يرافق الشاي، و بالأطباق المذاقات والنكهات المتفردة، وحيث كلما قدم طبق أو حلوايات إلا ويكون رد الفعل: “آه هذا إمرباطوري، لم نره من قبل في أي مكان”.

كما كان الحفل في نفس الآن احتفاء بتفضل جلالة الملك بتعيين الكاردينال بيترو بارولين عضواً فخرياً بأكاديمية المملكة المغربية.

Exit mobile version