سيرينا ويليامز تعتزل بعد مسار متألق استثنائي

(جهاد بنشقرون – ومع)

مطلع شتنبر الماضي، وخلال بطولة أمريكا المفتوحة لكرة المضرب، خاضت النجمة الأمريكية، سيرينا ويليامز، آخر مباراة في مسارها الطويل، لتختتم بذلك مسارا استثنائيا دام 27 عاما.

سيرينا، التي ظفرت بـ23 لقبا في البطولات الكبرى على وجه الخصوص، كانت مصنفة اللاعبة رقم 1 في نهاية العام لخمس مرات، وراكمت ما مجموعه 319 أسبوعا في المركز الأول.

إلا أن مسار هذه الرياضية لم يكن مفروشا بالورود. فقد نشأت في مدينة كومبتون، إحدى ضواحي مدينة لوس أنجلوس، حيث تسود حرب العصابات وتهريب المخدرات وعنف الشرطة.

غادر والدها ريتشارد ويليامز وظيفته ليتفرغ لتدريب ابنتيه على ممارسة كرة المضرب في الملاعب العامة في كومبتون، متحديا العديد من الصعاب. فقد تنبأ، في وقت مبكر، بأن تحتل ابنتاه المرتبة الأولى على الصعيد العالمي، وأن ابنته الصغرى ستكون أفضل من الكبرى.

توقعاته كانت صائبة. إذ تقدر ثروة سيرينا اليوم بـ260 مليون دولار، ولديها أزيد من عشرة شركاء تجاريين. سمحت لها انتصاراتها بتجميع حوالي 94 مليون دولار على مدار 27 عاما من مسارها الرياضي المهني، أي ضعف ما تحققه أي رياضية أخرى.
الأمريكية ويليامز تعد أيقونة ليس فقط بالنظر لإنجازاتها في عالم الكرة الصفراء الصغيرة، ولكن أيضا لتأثيرها على جيل بأكمله، خاصة في صفوف المجتمع الأسود الأمريكي.

تشير مجلة “فوربس” إلى أنه إذا كانت سيرينا تتقاعد اليوم، فإن إرثها سيستمر نتيجة التأثير الذي خلفته هي وشقيقتها فينوس في صفوف الأجيال الشابة من النساء ذوات البشرة الملونة، بما في ذلك البطلة نايومي أوساكا.
وعن سيرينا، تقول أوساكا، لاعبة التنس اليابانية من أصول عرقية ملونة، “أعتقد أن إرثها هائل حقا، لدرجة أنه لا يمكنك حتى وصفه بالكلمات”.

بدورها، تسلط اللاعبة الموهوبة الأمريكية الشابة كوكو غوف – وهي رياضية أخرى ملونة – الضوء على تأثير سيرينا. “خلال نشأتي، لم أفكر مطلقا أنني مختلفة لأن اللاعبة رقم 1 في العالم كانت شخصا يشبهني”.

وتؤكد غوف أيضا أنها تعلمت كيفية التعامل مع مبارياتها بثقة في النفس من خلال مشاهدة سيرينا.

يقول نيك سافيانو، وهو مدرب أمريكي يمتلك أكاديمية في فلوريدا وعمل مع لاعبات محترفات من الصف الأول مثل سلون ستيفنز وأماندا أنيسيموفا وأوجيني بوشار وغوف، “أعاين تأثير الأختين ويليامز كل يوم”.

ويوضح قائلا “إذا ذهبت إلى بطولة تضم لاعبين في العاشرة وما دون ذلك، أعاين ذلك. أرى المزيد من الأشخاص من خلفيات عرقية مختلفة. أرى الناس يجرؤون على الأحلام الكبيرة”.

وبرأي ميرليسا لورانس كوربيت، مؤلفة السيرة الذاتية “سيرينا ويليامز: لاعبة تنس بطلة وأسطورة رياضية وبطلة ثقافية”، فإن سيرينا هيمنت على رياضة كرة المضرب لدرجة أن ولوج السيدات الملونات إلى عالم التنس لم يعد أمرا غريبا اليوم.

فبفضل إنجازاتها في ملاعب التنس، نجحت سيرينا في إقناع الشركات الكبرى بالاستثمار بشكل أكبر في الرياضات النسائية.

في هذا الصدد، يبرز جيف كيرني، الرئيس العالمي للتسويق الرياضي لشركة “Gatorade”، وهي شركة أمريكية تنتج مشروبات الطاقة غير الغازية، أن سيرينا كان لها تأثير دائم على ميزانيات التسويق في كل مكان.

فقد أقنعت نجاحات سيرينا الباهرة شركة “Pepsico” بالدخول معها في شراكة لأول مرة في عام 2009، لتدفع بذلك الشركة الأمريكية متعددة الجنسيات إلى إنفاق المزيد على الرياضيات الإناث.

وأضاف كيرني أن “جميع العلامات التجارية والشركات التي تعمل معها تستثمر الآن بشكل أكبر في كرة القدم النسوية”.

الأيقونة الأمريكية عملت مع العديد من العلامات التجارية العالمية، بدءا بعقد رعاية لمدة خمس سنوات مع شركة “Puma” الألمانية بقيمة 13 مليون دولار، وذلك في وقت مبكر من مسارها المهني، تلته شراكة طويلة الأمد مع “Nike” في عام 2003، والتي تطورت لتشمل حاضنة داخلية لمصممي الأزياء.

كما كانت “دلتا إيرلاينز” و”جي بي مورغان تشيس” أيضا من رعاة النجمة الأمريكية.

تقول تانيا فيزداك، نائبة رئيس التسويق العالمي للألعاب الرياضية النسائية في “Nike”: “ما يميز سيرينا هو أنها تجاوزت الرياضة”.

ويبدو أن سيرينا قد أقنعت العديد من العلامات التجارية بالترويج بشكل أكبر للرياضيات.

العلامة التجارية “Michelob Ultra” التابعة لشركة “Anheuser-Busch”، وهي راعية رياضية رئيسية أخرى، عملت مع سيرينا في وقت متأخر من مسارها الرياضي المهني، من خلال إعلانات “Super Bowl”، مثل الإعلان الذي قدمته رفقة نجمة كرة السلة الأمريكية نيكا أوغووميكي ونجمة كرة القدم أليكس مورغان.

ويؤكد ريكاردو ماركيز، نائب رئيس التسويق في “Michelob Ultra”، أن سيرينا لعبت دورا محوريا في زيادة الميزانيات المخصصة للنساء في الرياضة، حيث خصصت العلامة التجارية العام الماضي 100 مليون دولار للتسويق للرياضة النسائية على مدار خمس سنوات، متعهدة بضمان التمثيل المتساوي للنساء والرجال في مجال الرعاية.

وأضاف ماركيز أن “سيرينا كانت عاملا محفزا. لقد منحت الثقة لعلامات تجارية مثلنا للإعلان عن التزامات جديدة، بهدف جعل هذا الدعم أكثر وضوحا”.

كما أن تأثير النجمة الأمريكية المتألقة امتد ليشمل الشبكات الاجتماعية، فقد أعلنت “تويتر سبورتس” أن البطلة الأمريكية كانت أكثر الرياضيات تغريدا على الشبكة الاجتماعية.

وخلال اليوم الأول من بطولة الولايات المتحدة المفتوحة الأخيرة، أطلقت “تويتر” رمزا تعبيريا حصريا، بتنورة رياضية ومضرب، لتكريم البطولة النهائية لسيرينا ومسارها المهني الرائع.

فقد غيرت سيرينا ويليامز، وللأبد، كيفية تصور العلامات التجارية للرياضيات. إذ ساهمت الأختان ويليامز في تدشين حقبة جديدة من الرعاية الرياضية للسيدات خلال مسيرتهن المهنية المتميزة.

ومع استمرار تزايد نسبة المشاهدة والدعم للرياضات النسائية، تستعد العلامات التجارية لمواصلة الاستثمار في الرياضات والبطولات النسائية.

فحتى بعد مغادرتها لملاعب التنس، ستترك سيرينا تأثيرا دائما على الترويج للرياضة النسائية، كما تلخص ذلك فيزداك: “لقد أظهرت أن تأثيرها يتجاوز الأداء الرياضي المحض. من الواضح أن الرياضة منحتها منصة، لكن انخراطها في العديد من الجوانب المختلفة الأخرى وإظهارها لأبعادها المختلفة، سواء كأم أو بطلة أو حتى مصممة، سيكون إرثها إلى الأبد”.

أواخر نونبر الماضي، نشرت سيرينا صورة على وسائل التواصل الاجتماعي لمضرب مرفوقا بالتعليق: “أنا أشعر بالملل قليلا”.

المنشور أثار سلسلة من ردود الفعل عبر الإنترنت، وفتح باب التكهن بشأن إمكانية العودة إلى ملاعب التنس، الأمر الذي سيسعد، دون شك، معجبيها عبر العالم.

Exit mobile version