المغرب

الدور القيادي للمرأة في المجتمع الأمازيغي

هاجر الرفاعي

على عكس العديد من الثقافات والمجتمعات الأخرى حول العالم، تتمتع المرأة الأمازيغية بمكانة شديدة الأهمية في المجتمع الأمازيغي التقليدي في مختلف دول المغرب العربي، حيث مُنحت المرأة مستويات متفاوتة من الاحترام في فترات تاريخية مختلفة وثقافات وديانات متعددة.

وعلى سبيل المثال، في عالم ما قبل الإسلام، كانت النساء يُعتبرن من الدرجة الثانية في تسلسل البشر، وكان يُنظر إليهن كرموز للعار والخزي، حتى وصلن أحيانا لممارسات مثل وأد المواليد من الإناث ودفنهن وهن لا يزلن على قيد الحياة. وفي العالم الغربي، كان يُنظر إلى النساء مثل الممتلكات العينية، كالمنازل أو قطع الأرض أو المواشي، بل وصل الأمر إلى ابتكار أقوال شعبية في العصور المظلمة، تدل على مدى هشاشة وضعف المرأة، وميلها إلى أن تصبح سببا للخراب لمن حولها، كما تصورها مقولة “النساء أقرب إلى الشيطان منها إلى الماء المقدس”، حسب ما جاء في موقع MOROCCO WORLD NEWS.

وعلى عكس معظم الثقافات، لطالما كانت المرأة الأمازيغية من أهم عوامل بناء الحضارات في دول شمال إفريقيا، إذ لعبت النساء أدوارا قيادية بارزة، بما في ذلك القيادات العسكرية والتربية والبناء الديني والروحي للمجتمع، حتى أصبحت واحدة ضمن الآلهة الأمازيغية، فعلى مر التاريخ كانت النساء الأمازيغيات مسؤولات دوما عن إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو حتى الدينية لأسرتها ومجتمعها، فكانت مصدرا للحياة والازدهار والبركة.

وبملاحظة مكانة المرأة الأمازيغية في المجتمع، يتضح تقديسها في العديد من الأدوار التي لعبتها، ودليل على ذلك وجود أمثلة من النساء الأمازيغيات، اللواتي مثلن مكانة المرأة في التاريخ الأمازيغي، أولهن إلهة “تانيت” التي كان يعبدها أمازيغ قرطاج لحوالي 400 سنة قبل الميلاد، وقد كانت تُعتبر رمزا للرخاء والخصوبة والحب، حيث تمت ممارسة طقوس معينة تكريما لها بشكل خاص لتحصيل البركة، وسط اعتقادات بأن اسم تونس الحالي، وأثينا اليونانية، هما تصريفات لاسم هذه الإلهة بعد تحريفها في اللغة تقديرا لدور المرأة الأمازيغية.

ثم الآلهة “تين هينان”، كما يسميها الأمازيغ في مالي ونيجيريا وليبيا والجزائر، وتعني “هي التي في الخيام” أو “القائدة”، وكانت تعتبر الأم الروحية لقبائل الطوارق، لذلك يُفسر اسمها بـ”أم القبيلة” أو “ملكة المخيم”، وقد لعبت هذه الإلهة دورا كبيرا في حماية قبائلها، إذ كانت ترمز للاستقرار الاجتماعي والسياسي والروحي لقبائل الطوارق.

إن هذا التقدير الاستثنائي للمرأة الأمازيغية، وصل إلى مستوى بلغ حد حظر بعض التقاليد والمفاهيم العربية والإسلامية، ألا وهو تعدد الزوجات، ومن أسباب غياب مفهوم التعدد في المجتمع الأمازيغي، تطبيق ما يُعرف بقانون “تامزالت”، أو “حق الشقاء”، والذي يفرض على الرجل إعطاء زوجته نصف أملاكه في حالتي الطلاق أو الزواج من أخرى.

ويوضح الكاتب الأمازيغي مولود فرعون، في روايته “ابن الفقير” – الصادرة سنة 1950 عن المجتمع القبائل – أن المرأة سُميت في الإرث الأمازيغي بـ”أشغ آلمّاس”، والتي تعني العمود الأوسط الذي يقوّم بناء البيت، حيث عملت المرأة الأمازيغية على حمل الأدوار الريادية في المجتمع منذ القدم، فكانت هي من تقرر وتختار المنطقة التي يتم فيها رفع أسس الخيام والبيوت، وكان هذا سر تسميتها بعمود البيت المحوري أو الأوسط.

وحسب عالم الاجتماع المغربي، الهادي عبد اللاوي، فقد كان من بين أهم الأدوار التي تقوم بها المرأة الأمازيغية، القيام بنسج جميع فُرش البيت، العمل على التأمين الغذائي للعائلة، وعملية التموين طيلة موسمي الحرث والحصاد، وهو الدور الذي تُقاسم الرجل فيه، رغم مهامها داخل البيت، التي تتمثل في الأعمال التي تقوم بها ربة المنزل.

وبهذا نستنتج أنه لطالما كانت النساء عضوا مهما في العائلات والمجتمعات الأمازيغية بشكل خاص، وحتى اليوم لا تزال هناك قبائل تشيد بالقديسات الأمازيغيات، اللواتي يطلق عليهن اسم “ليلا”، وهو مصطلح يستخدم لتكريم الشخصيات المباركة من ذوي السمعة الطيبة في المجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى