المغربثقافةثقافيةخيط التراث الشفاهي - أكتوبر 2022

تيكمي نواوال .. صرح لحفظ التراث الشفهي المحلي

تيكمي نواوال .. صرح لحفظ التراث الشفهي المحلي

“التراث هو إرث الماضي الذي نتمتع به اليوم، وننقله إلى الأجيال القادمة،

   إن تراثنا الثقافي والطبيعي هما مصدران لا غنى عنهما للحياة والإلهام”.

                                                       (تعريف اليونيسكو)

عــلاء الـبـكـري

يبدو أن مسألة حفظ التراث الثقافي الشفاهي – أو ما بات يعرف بالتراث الثقافي اللامادي – وصونه وتوثيقه، باتت غاية تصبو إليها جل الدول والشعوب، لما تشكله من ركيزة قوية ومهمة في الحفاظ على التنوع والتراث الثقافي، سيما في عصر العولمة الذي بات يشكل خطرا وتهديدا مباشرا على هوياتنا وعاداتنا وتقاليدنا المتوارثة العريقة. ولما تكتسيه من أهمية في دعم الاقتصاد الوطني والمساهمة في تطويره وتنميته، (السياحة على سبيل المثال).

ويعتبر الحفاظ على التراث الشعبي الشفوي حمايةً للهويات الثقافية، وبالنالي فإن تربية جيل الشباب على معرفة هذا التراث يعد ممارسة تربوية راقية هدفها فهم التراث وتقدير قيمته الثقافية والتاريخية والاجتماعية، ويفيد في تشجيع الحوار واحترام التنوع الثقافي داخل البلد الواحد. لهذه الأسباب، عمدت المملكة المغربية  إلى خلق  فضاء خاص باحتواء التراث الثقافي اللامادي المغربي بإنشائه “دار التراث الشفاهي” .بقصبة أيت بنحدو المسجلة كموقع للتراث العالمي لليونيسكو، بإقليم ورزازات.

إن “دار التراث الشفاهي” مركز ثقافي وبحثي للمواقع الأثرية يركز على التراث المحلي غير المادي، كان الهدف وراء خلقه تجنب مخاطر التمثيل السطحي للثقافة المحلية أو تحويلها لمجرد فولكلور، لكنه وفي نفس الوقت صيغ كمكان للحوار قبل أن يكون مكانا للعرض والاعتراف بالثقافة المحلية.

 وتعتبر “تيكمي نواوال” جـــز ًءا مـــن مشـــروع أكـــبر لـــتعزيـــز الـتراث المـغربـي مـن مـنظور الإسـتدامـة و المـواطَـنة الإيـكولـوجـية. تعتزم فــــي بــــدايــــة كــــل ســــنة عــــرض نــــتائــــج أعــــمال بــــحثية حــــول مـــوضـــوع محـــدد أجـــراه فـــريـــق مـــن الـــباحـــثين المحـــليين و يســـتمر ذلـك الـعرض لمـدة سـنة. فـي بـدايـة الـسنة المـقبلة يـتم الـكشف عـن عـــرض جـــديـــد يـــتعلق بـــموضـــوع آخـــر ويـــتم نـــقل الـــعرض الـــسابـــق لــــيغذي مــــساحــــة أخــــرى لــــلوســــاطــــة الــــثقافــــية فــــي قــــريــــة أخــــرى ، الشيئ الـــــذي يمهـــــد الـــــطريـــــق لإنـــــشاء شـــــبكة مـــــن “دور الـــــتراث الــــشفاهــــي” و بــــالــــتالــــي لخــــلق نــــفس ديــــنامــــيكية وطــــنية لــــتثمين التراث عبر مختلف أنحاء البلاد.

تيكمي نواوال

وتتجلى مهام ” تيكمي نواوال ” الرئيسية في ثلاث مهام تكمن في :

  • الــــنقل: عــــرض الــــتراث وإحــــيائــــه مــــن خــــلال المــــعارض والمــــشاركــــة وتنظيم الأحداث المحلية.
  • الــحفاظ: جــمع وحــفظ دون تجــميد الــتقالــيد والمــعارف والمــهارات والتراث الحي.
  • الــــبحث: تــــوثــــيق وتــــفسير الــــتقالــــيد والمــــعارف والمــــهارات والــــتراث الحي.

لطالما تجلت الـضمانـة الـحقيقية لـلحفاظ عـلى الـتراث اللامادي فـي الـدراسـة والـتنظيم والمـشاركـة فـي الأحـداث بـدلاً مـن الأرشـفة.  وأن الـدراسـات يـجب أن تـــكون مـــرفـــوقـــة بتجـــميع الـــتراث المـــعاصـــر أيـــضا لـــكي يـــتم تجـــميع وتـــوثـــيق مجـــموعـــات مـــن الأشـــياء المـــاديـــة و اللامادية كـــشواهـــد عـــلى وقـــــائـــــع اجـــــتماعـــــية . هـــــذه الأشـــــياء ، الـــــتي قـــــد يـــــدخـــــل بـــــعضها إلـــــى مجـموعـات المـتحف ، لا تـصل أبـ ًدا بـمفردهـا ، ولـكن تـأتـي مـع مجـموعـة مـــن الـــوثـــائـــق (أفـــلام صـــور فـــوتـــوغـــرافـــية و اســـتجوابـــات و مـــحفوظـــات) الـــــــتي تـــــــمكن مـــــــن رصـــــــد تـــــــاريـــــــخها وتـــــــقنيات إنتاجها واســـــــتهلاكـــــــها، استخداماتها وتمثيلاتها.

إن الــــــــقلب الــــــــنابــــــــض لــــــــدار الــــــــتراث الــــــــشفاهــــــــي لا يــــــــكمن فــــــــي مجـموعـاتـها المـاديـة ، ولا حـتى الـتسجيلات المـتعددة الـتي يـحتفظ بــــها ، بــــل فــــي بــــرمــــجة الــــفعالــــيات الــــخاصــــة بــــها ومــــشاركــــتها فــــي المهــــرجــــانــــات المحــــلية الــــتي تــــوثــــق لــــها. لــــذلــــك يــــجب أن يــــتردد فــــي غـــــــرفـــــــها صـــــــدى الـــــــقصص والأغـــــــانـــــــي والمـــــــوســـــــيقى والـــــــقصائـــــــد والـشهادات الـتي يـتم تـسجيلها و يـتم أيـضا عـرضـها عـلى الـزوار

و الساكنة من خلال أنشطة ليلية وزيارات خاصة وما إلى ذلك.تخــــلق المجــــموعــــات المــــعروضــــة داخــــل الــــدار حــــوا ًرا بــــين الأشــــياء الــتقليديــة والــفن المــعاصــر والأصــوات والــصور بــمشاركــة الساكنة المحلية في تكوين المجموعات وتنظيم الأحداث.

ومن أجل تأسيس مشروع غير مسبوق، والشروع في عمل جريئ كهذا، يهدف للمدى الطويل، ويضع المسؤولية الاجتماعية في قلبه ويغتني بتعدد ثقافاته في منهجيته،تظافرت جهود ثلاثة شركاء متضامنين، ضمت كل من الجمعية الوطنية “لغتا المواطنة”، وشركة “ليهكو للإنتاج”، و”جمعية التنمية السياحية الفنية والثقافية للجنوب “”أداكس”.

إن تـــنزيـــل مشـــروع كهـــذا لـــيس مـــسؤولـــية الأشـــخاص المـــعنيين بـــه بـصفة مـباشـرة، بـل هـي مـسؤولـية الـمجتمع المـحيط بـه كـكل. وإنه بهـدف إســـــــتدامـــــــة أي مشـــــــروع يـــــــجب إشـــــــراك الـــــــساكـــــــنة و الســـــــلطات و اعـــــتبارهـــــم أطـــــراف مـــــعنية فـــــي كـــــل المـــــراحـــــل، مـــــن الـــــتصميم إلـــــى الــــتنزيــــل الــــفعلي و بــــالــــتالــــي يــــمكن ضــــمان تــــسييره عــــلى المــــدى الـــبعيد بـــكل اســـتقلالـــية. إن دار الـــتراث الـــشفاهـــي لا تـــرمـــي إلـــى مـــــحاصـــــرة المـــــجتمع داخـــــل تـــــقالـــــيد ، بـــــل تُـــــشجعه بـــــالـــــعكس عـــــلى المُــضي قُدُماً لــتطويــر فــروع شجــرة وجــبت مــعرفــة جــذورهــا. لهــذا الســبب تــم وضــع تــمريــر المــوروث بــكل أشــكالــه لــلإجــيال الجــديــدة في صلب المشروع.

خلال شهـــــر شـــــتنبر مـــــن كـــــل عـــــام سيـــــتم تـــــنظيم مـــــعرض مـــــختلف يســـلط الـــضوء عـــلى أحـــد جـــوانـــب الـــثقافـــية المحـــلية. سيما وأن المـــعرض هـــو نــتيجة لــعمل تــشاركــي يــتوجــه فــيه شــباب المــنطقة نــحو شــيوخــها مــــن أجــــل رصــــد و فــــهم فــــهم الــــتفاصــــيل الــــدقــــيقة المــــتعلقة بهــــذا الــــجانــــب وإعــــادة الــــتطرق إلــــيه بــــشكل يــــجعله فــــي مــــتناول فــــهم الــــــزوار. إنــــــ هذا العمل يشكل فــــــرصا إبــــــداعــــــية للشــــــباب حــــــيث يــــــطلقون الــــــعنان لـطاقـاتـهم، بـمرافـقة الـسيد مـصطفى مـروان الـباحـث فـي الـتراث الأمـــــازيـــــغي والمشـــــرف عـــــلى دار الـــــتراث الـــــشفاهـــــي، مـــــن أجـــــل الـتعبير عـن تـراثـهم الـحي عـبر صـور وفـيديـوهـات ومـنشآت فـنيةو حكايات مصورة ومجسدات .

وخلال هذا الموسم، وبالضبط من 23 إلى 26 شتنبر الفارط، تم تسليط الضوء على “الــخيط”، حيث خصصت دار التراث الشفاهي معرضها لهذا العام للمنسوجات الأمـــازيـــغية، وتم التطرق لـــكل المـــراحـــل الـــتي تـــمر مـــنها مـــن أجـــل إظـــهار الـــطقوس والأغـــانـــي والـــرمـــوز والمـــعتقدات الـتي تـرافـق هـذه الإبـداعـات الـرائـعة. كما مثل المـعرض أيضا مـناسـبة لـــــتبادل الـــــتجارب و المـــــعارف مـــــباشـــــرة مـــــع الحـــــرفـــــيين والـــــفنانـــــين. وســـــتـــــمكن مـــــداخـــــيل المـــــعرض مـــــن جـــــهة أخـــــرى مـــــن تـــــمويـــــل ورشـات عـمل تهـدف لـتمريـر المـمارسـات و المـهارات المـوروثـة عـن الأجـــداد لـــلأجـــيال الجـــديـــدة .

. .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى