تراث وتاريخ

قلعة جازول.. بلدة الأمازيغ البيضاء في الأندلس

ترسم شمس يوليو خيال أجساد مئات ثيران المصارعة وهي تنتظر حظها العاثر في ضيعات من وصفتهم الثقافة الشعبية الإسبانية “بأسياد الأندلس”. في السابق كان الدخول إلى هذه الفضاءات حكرا على عِلية القوم وخدم الأندلس الفقراء، لكن تراجع شعبية مصارعة الثيران أجبر كبار المزارعين على فتح الضيعات أمام السياح، في ما أصبح يعرف “بطريق الثور”.

مسار سياحي
تنتمي بلدة قلعة جازول (Alcalá de los Gazules) إلى هذا المسار السياحي، وتبدو معلقة على أحد تلال محمية لوس ألكورنوكاليس الطبيعية ببيوتها البيضاء وسكون أزقتها، وتلوح معزولة أو منسية كما لو أنها لم تكن كاتبة فصول عظمة وفناء الحقبة الإسلامية في الأندلس.

هذا الشعور سرعان ما يتلاشى عند الصعود إلى ساحة القديس خورخي، حيث يقف برج التكريم -الشاهد الأخير على عظمة قصر جازول- الذي شيّد بين القرنين 12 و13 الميلاديين قبل أن يتم قصفه من قبل جنود نابليون بونابارت في 23 سبتمبر/أيلول 1811 ضمن ما يعرف “بحرب التحرير” الإسبانية.

ولم تظهر مشاهد الدمار خلال “حرب التحرير” التي وقعت في القرن 19 فحسب، بل توالت في العديد من الحقب التاريخية التي عاشتها البلدة؛ نظرا لطابعها الحدودي الذي جعل منها منطقة مواجهة مع الجيوش المسيحية، وموطنا لرجال قبيلة جازول الأمازيغية.

وكان رجال القبيلة وصلوا مع جيوش المرابطين في القرن 11 إلى البلدة، غير أن هذا التحالف لم يدم طويلا؛ حيث توثق كتب التاريخ انحياز هؤلاء المحاربين الأشداء للدولة الموحدية في القرن 13، ومشاركتهم في ثورة المدجنين ضد الملك ألفونسو العاشر سنة 1264 ميلادية.

تراث معماري
لم يصل إلى سكان قلعة جازول الحاليين من الروايات سوى القليل، لكنهم رغم ذلك يحاولون الحفاظ على ما تبقى من تراثهم المعماري والإنساني، عبر مبادرات كإنشاء المتحف الحي، حيث تعرض أدوات منزلية قديمة وأثاث من زمن الحرمان، عندما كان سكان البلدة يواجهون برد الشتاء بمدفئات بدائية وحساء الهليون الساخن.

وإذا كانت بعض البلدات المجاورة لا تزال تحتفظ بوصفات صنع الحلويات الأندلسية، فإن ذلك يغيب في بلدة قلعة جازول التي تتزين معظم أطباقها بلحوم الصيد وخضر المنطقة (وصفات جديدة تلقى إقبالا من قبل السياح الذين يبحثون عن أجبان جازول الشهيرة التي تعتبر الأكثر مبيعا في إسبانيا).

وتشتهر البلدة بالإضافة إلى منتجاتها من اللحوم والأجبان بكونها أحد معاقل الحزب الاشتراكي الحاكم، حيث عقد بها الاشتراكيون لقاءات تاريخية إبان حكم أحد مهندسي الانتقال الديمقراطي في إسبانيا رئيس الحكومة الأسبق فيليبي غونثالثفي.

وبعيدا عن عوالم السياسة، فإذا سألت الإسبان عن هذه القلعة ذات الأصول الأمازيغية قد لا تعج أجوبتهم بالمعطيات التاريخية، لكنهم قطعا سيرددون إنها موطن أليخاندرو سانث أحد أشهر المطربين الإسبان المعاصرين.

المصدر الجزيرة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى