الأطفال ومشاهير السوسيال- ميديا: بين الاتجار والحث على الابتكار…
مشاهير الـ«سوشيال ميديا» مصدر إلهام لكثيرين،
محمد الطيب بوشيبة
يعدُّ بعض مشاهير الـ«سوشيال ميديا » مصدر إلهام لكثيرين، سواء بسبب أعمالهم الصالحة أو فنِّهم الراقي، إلا أنَّ البعض منهم يشكل تأثيراً سيئاً على الشبان والشابات، فقد أضحوا بمثابة «القدوة»، و«الرمز» لكثير من الأطفال ولفئة من المراهقين، حتى أصبحوا المقياس لكثير من أمور حياتهم وكأنَّهم الموجه لهم، الأمر الذي جعل الآباء في حالة من القلق بسبب تعلق أبنائهم ومحاكاتهم للمشاهير.
فالتقليد والمحاكاة imitation هي في الاصل عمليَّة ملاحظة الطفل لسلوكيات بعض الأشخاص القريبين منه سوسيوميتريا ، ومن ثمَّ محاكاتهم؛ ومن خلال ذلك يكتسب الطفل العديد من المهارات والسلوكيات بجانبيها الإيجابي والسلبي.
و بخصوص حماية اطفالنا من مشاهير الشوسل ميديا؟؟ نقترح التوصيات الخمس التالية:
1- توفير القدوة الحسنة والمحبَّبة للطفل، ولفت انتباهه لها ليكتسب السلوكيات الجيِّدة من خلالها ” لان الطفل لا يمكنه اكتساب سلوكين متعاكسين”
2 – عدم تبخيس الطفل، والاستخفاف بسلوكيات المشاهير المفضلين لديه، وذلك حتى لا ينفر ويحاول متابعتهم بعيداً عن أعين الأسرة، مع محاولة مناقشته حول ما يلفت انتباهه في شخصيات الـ«سوشيال ميديا» والحوار معه حول السلوكيات السيئة التي تصدر من بعض المشاهير، وإيضاح عواقب تقليدها.
3 – الاستفادة من شخصيات الـ«سوشيال ميديا» الجيِّدة في تطوير مهارات الطفل، كمهارات التفاعل الاجتماعي، والمهارات الفنيَّة، والرياضيَّة والقدرة على الإبداع والإنجاز، وحبِّ تقديم الأعمال التطوعيَّة وما سواها من المهارات الإيجابيَّة.
4 – لا يكمن الحلُّ فقط في منع الطفل من متابعة المشاهير، فما هي إلا نماذج للعديد من الأشخاص في المجتمع الحقيقي الذي نعيش فيه، بل الاهم هو تكوين الحصانة الأخلاقيَّة للطفل، وتوضيح الفروقات الأخلاقيَّة والثقافيَّة، التي تسمح لنا بتقبل اكتساب سلوك، ورفض آخر.
5 – في حال كان الطفل محبَّاً ومنشغلاً جداً بمتابعة المشاهير وتقليدهم، فلا بد من توفير أنشطة أخرى تعود بالفائدة على الطفل، كالمشاركة في الهوايات المختلفة بحسب ميول كل طفل.
*تجار الشهرة يستغلون الأطفال لحصد المتابعين على “سوشيال ميديا”
تعج مواقع التواصل الاجتماعي بأعداد هائلة من مقاطع فيديوهات يظهر فيها أطفال يتعرضون لمواقف اجتماعية غريبة تحت إشراف الأبوين بهدف رصد ردة فعلهم الطفولية، أو تصويرهم أمام موقف عاطفي وهمي اختلقه الأب أو الأم أو باتفاق الاثنين معاً، لحصد المتابعين وتحقيق الشهرة على «سوشيال ميديا» لرفع نسبة المشاهدة ، طمعاً بالمردود المالي من هذه المنصات ……، علما أن إقحام الأطفال في عالم الأعمال عبر العالم الافتراضي يعود بالتأثير السلبي على هذه الفئة يرقى الى جريمة “الاتجار بالبشر”
لذا اصبح لزاما على الجهات المعنية وضع قوانين تنظيمية تقنن ظهور الأطفال في مواقع التواصل الاجتماعي لحمايتهم، إلى جانب سن مواد تفرض عقوبات جنائية وغرامات مالية على الأسر التي أساءت للطفل عبر استغلاله في وسائل التواصل الاجتماعي اعتمادا على اختصاصيين نفسيين واجتماعيين معتمدين لرصد حجم الأذى الذي قد يقع على الطفل المتضرر من نشر مقاطع له.
و يعتبر استغلال الأطفال في الأعمال التجارية عبر وسائل التواصل الاجتماعي أمر مخالف للعرف و للقانون، وكذلك نشر فيديوهات مسيئة للأطفال لتحقيق الانتشار أمر يضع صاحبه أمام المساءلة القانونية، ونظراً لانتشار فيديوهات أبطالها أطفال فإننا نقول إذا كان القصد من نشر المحتوى تحفيز الطفل فهذا أمر مرحب به، أما إذا كان وسيلة لاستغلاله فالأمر مخالف وهو متروك للجهات المتخصصة في حماية الطفل لتقييم حجم الضرر الواقع على الطفل والإبلاغ ومحاسبة الشخص المسؤول عن هذا الأمر في حال تأكيد الحالة.
و توجد الكثير من الاليات لحماية الطفل من التعرض للإساءة، لكن في ظل انتشار التكنولوجيا اصبحت تلك الاليات متجاوزة ، و علينا جميعا ان نعمل على ايجاد وسائل حمائية مبتكرة … لأن حماية الطفل مسؤوليتنا جميعا ، مؤسسات ومجتمع مدني وافراد، كما تتحمل الشركات المستقبلة للمحتوى جزءاً من هذه المسؤولية، وعلى كل شخص يرصد أي إساءة تقع على الأطفال الاتصال بالجهات المسؤولة فوراً والتبليغ عن المحتوى وعدم تداول المقاطع المسيئة أبدا بإعادة نشرها .
اعتمدت منظمة اليونسيف قوائم سوداء حول العالم للجهات التي تستغل الأطفال في العمالة ، لذا يجب توفير دليل إرشادي يحدد كيفية عمل الأطفال في «سوشيال ميديا» ومدى تأثير ذلك على دراستهم وصحتهم .
ان «نشر مقاطع تستغل براءة الأطفال لكسب متابعين أو تحقيق الكسب المادي يعتبر استغلالاً اقتصادياً لأنه يسمح بتعريض الأطفال لأضرار مختلفة، منها التنمر من قبل المتابعين للمقطع او إحراج الطفل بتصويره في مقطع فيديو ونشره والإساءة له عبر تعليقات المتابعين.
بل أحياناً يتم التعمد في تعريض الطفل لمقاطع كوميدية قد تكون مستفزة للرأي العام ويتم نشرها من أجل وضع تعليقات مسيئة على المقطع ويقوم من بعدها ناشر المقطع برفع دعاوى وطلب تعويضات مالية وفق قانون تقنية المعلومات بالرغم من أنه هو الذي أساء للطفل بعرضه للملأ..
و يعد استخدام الطفل في تصوير مقاطع لنشرها وكسب المتابعات بشكل يومي وتحقيق الشهرة أمر يؤذي صحة الطفل، ويعرضه للسهر والتعامل مع الكاميرا ومع المصورين أحياناً ومع عالم لا يمت له بصلة، ما يضر بالطفل ويحطم براءته، وهذه أمور يجهلها من يعرضون الأطفال للشهرة بقصد كسب المال، وقد يكون الطفل رافضاً لهذا الأمر ولكنه يجبر على أداء تعابير وكلمات لا يفهم معناها وأحياناً على تنفيذ مواقف تمثيلية أكبر من عمره عبر أخذ دور شخص كبير والتلفظ بكلمات لا تتناسب مع عقل الطفل وإدراكه، وهنا تكون الأسر هي التي اساءت لطفلها قبل تلقي الإساءات من الجمهور.
و يعتقد بعض اولياء الامور أن لهم الحرية الكاملة بعرض ابنائهم على وسائل التواصل،
وهنا نناشد جمهور المتتبعين بعدم التساهل أو التجاهل في التبليغ عن المقاطع المسيئة عند رصدها كأحد أنواع المسؤولية المجتمعية.
تهرباً من دفع الرسوم القانونية المترتبة عن الإعلانات يلجأ بعض مشاهير التواصل الاجتماعي إلى استخدام أطفالهم للتمثيل في الإعلان، وهنا يأتي دور الجهات المرخصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي في مراقبة ومتابعة تلك الحسابات وعلى الجهة المسؤولة وضع لوائح فيها ضوابط لظهور الأطفال وأبناء مشاهير “السوشيال ميديا” في مقاطع الفيديو والإعلانات لحماية الأطفال من الاستغلال، ويحق لأي شخص وفق القانون تقديم شكوى رسمية عند رصد أي إساءات جسدية نفسية أخلاقية تقع على الأطفال، علماً بأن هناك إمكانية حماية الشهود بعدم الإفصاح عن هوية المبلغ.
حتى الان لا يوجد قانون سلط الضوء بشكل مباشر على ضوابط إشراك الأطفال في المقاطع التي تنشر على «سوشيال ميديا» وكوجهة نظر قانونية لا شيء يجرم ظهور الأطفال في مقاطع فيديو إيجابية مع أسرهم أو بمفردهم إلا إذا تم نشر مقاطع مسيئة. لذا أصبح من الضروري وضع ضوابط تنظيمية
وعقوبات تحد من ظهور الأطفال السلبي على مواقع التواصل الاجتماعي للردع ولحماية الطفل.
كل منا شاهد الكثير من المقاطع لأطفال يدخنون الشيشة أو السجائر … دون مراعاة صغر سنهم والضرر الناجم عن هذه المقاطع وتأثيرها النفسي والصحي والاجتماعي، ناهيك عن بعض المقاطع التي سلطت الضوء على رد فعل الطفل عند تعرضه لصدمات نفسية عاطفية كأن يتم إبلاغ الطفل بموت أحد أقاربه ورصد ردة فعله على العلن لرفع عدد المتابعين وهذه كلها تصرفات يجب تجريمها قانونياً.
ان استغلال الأطفال وظهورهم في «سوشيال ميديا» وتعريضهم للإيذاء النفسي والتنمر.. يتيح للنيابة العامة القدرة على تحريك دعوى عمومية ضد الجهة التي تستغل الطفل دون التقيد برأي ولي الأمر.
في الأخير “علينا كمجتمع مدني ان نطالب بإصدار مواد قانونية صريحة لحماية الأطفال من الاستغلال في «سوشيال ميديا» وسن قوانين واضحة في هذا الصدد، وفرض عقوبات جنائية وغرامات مالية على الأسر التي تستغل الطفل وتقييم حجم الضرر الذي وقع عليه من طرف اختصاصيين نفسيين واجتماعيين معتمدين ، فالنصوص القانونية المغربية تناولت حالات الإساءة للطفل لكن لم تتناول بشكل واضح استغلال الأطفال في «سوشيال ميديا»”.