زلزال الحوز

رجل الزلزال الملهم

علاء البكري

من الواجب أن يدفع هول الزلزال الذي هز عددا من مناطق مغربنا الحبيب، المقتدرين للتبرع بما جادت به أياديهم، إلا أن تبرعات الناس البسطاء ممن قرروا اقتسام لقمة عيشهم مع إخوانهم من المتضررين، أثارت تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتعددت أشكال ومظاهر التضامن والتآزر، وعجت وساىل التواصل الاجتماعي بصور ومقاطع تقشعر لها الأبدان، لِعظم وَقْعِهَا وأثرها الكبير على نفوس كل من تابعها. ولعل أكثر ما أثار مشاعر الناس عبر العالم، كان مقطع فيديو قصير يُظهر رجلا مسنا تبدو البساطة ظاهرة عليه، إلا أن ما قام به حرك أحاسيس الجميع، بل وجعل الكثيرين ممن شاهدوه يذرف الدموع تأثرا بهذا السلوك الذي ينم عن غنىً كبير في الأخلاق وكرم واسع رغم قلة الحيلة.

هذا الرجل الذي أدهش العالم بسلوكه الراقي الذي جعل كثيرين يلقبونه ب”رجل الزلزال الملهم”، لم يكن يعلم أن كل الكاميرات والعيون مصوبة نحوه، حل بنقطة لجمع التبرعات والمساعدات في مدينة تيزنيت وهو على متن دراجة هوائية جد بسيطة، قبل أن يترجل عنها ويُنزل منها ما تيسر من مساعدة عينية (نصف كيس من الدقيق) قدمها في صمت، ثم تسلل إلى حال سبيله في صمت.

وفور نشره على وسائل التواصل الاجتماعي، لقي  مقطع الفيديو هذا انتشارا واسعا  وسط إشادة عالية من كل المتابعين الذين وصفوه برجل الزلزال الملهم، إذ علق نشطاء على المشهد بالقول: “مغربي يأتي على دراجته الهوائية يحمل معه نصف خنشة من الدقيق ليساعد إخوته في محنتهم”.

وقال آخر: “هذا الرجل يستحق التكريم.. نصف خنشة دقيق الي عندو في دارو ساهم بيها.. هنا كيبان المسلم الحق وتمغرابيت الحقيقية.. رجل بسيط يعطي ما يكسب ليساند إخوانه في الزلزال.. وأصحاب الشكاير ناعسين متحركوش.. الفرق شاسع”.

هي مشاهد أكثر من أن تصفها أي لغة مهما بلغت في بلاغتها وبيانها، جعلت العالم ينحني أمام تلاحم وتظافر جهود هذا الشعب فيما بينه، والذي يساهم فقيره قبل غنيه، وهي الأصالة المغربية التي اختزلها ببساطة الرجل صاحب الدراجة الهوائية الذي ساهم بما في وسعه، ولربما كان ذلك الكيس هو كل ما يملكه، دون أن ننسى تلك السيدة المسنة بمدينة زاكورة التي تحدت كبر سنها للمساهمة بقنينة زيت، وسيدة أخرى أرادت المساهمة بخاتمها لأنه كل ما تملك، وغيرها كثير من المشاهد التي أكدت أن الخير متأصل في هذا الشعب.

وفي الأخير، لا يسعنا القول سوى أن الشعب المغربي، في السراء كما الضراء، يأبى إلا أن يقدم خير صورة للعالم، في الصبر والتجلد في وجه المحن أولا، ثم في الانبعاث من جديد، من قلب الأزمات، لتضميد الجراح والتضامن والتآزر لأجل بث الأمل وسط خراب مهول خلفه زلزال الحوز المدمر، الأشد وطأة في تاريخ مغربنا الحديث.

وتبقى الصورة أحيانا أبلغ بكثير من التعبير…

رجل الزلزال الملهم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى