فاطمة المرنيسي - دجنبر 2021ملف الشهر

فاطمة المرنيسي… شهرزاد المغربية

تصدت للقضايا الفكرية والاجتماعية التي عادة ما يهرب منها الرجل، فكتبت في الطابوهات المسكوت عنها، معتمدة في ذلك على تأويل وإعادة تفكيك الخطاب الديني والتراثي، خاصة السيرة النبوية في سياقها التاريخي والاجتماعي

بقلم علاء البكري

خمسة وسبعون عاما من النبضوأكثر من خمسين عاما من النضال الفكري والمعرفي…

لأكثر من خمسين عاماً وهبت عالمة الاجتماع المغربية فاطمة المرنيسي حياتها لخدمة قضايا تحرير المرأة العربية والمسلمة على وجه الخصوص، ورد الاعتبار لها من داخل موروثها الثقافي الإسلامي. فكان احتجاجها دائما على الأعين والمقاربات التي لا ترى في المرأة إلا حجاباً وتحريماً وسبياً وغنيمة وحريماً.

بدعيمة من تصميم فاطمة المرنيسي
اشتهرت فاطمةالمرنيسي بطراز لباسها الخاص بها والدي كان غالبا من تصميمها

تصدت للقضايا الفكرية والاجتماعية التي عادة ما يهرب منها الرجل، فكتبت في الطابوهات المسكوت عنها، معتمدة في ذلك على تأويل وإعادة تفكيك الخطاب الديني والتراثي، خاصة السيرة النبوية في سياقها التاريخي والاجتماعي، وذلك عن طريق التشكيك في بعض المرويات والأحاديث التي تتناول قضايا المرأة، والأدوار التي كانت منوطة بها في ميدان السياسة والمجتمع تاريخيا دون أي عداء مسبق للدين. وفي هذا الصدد يقول ياسين عدنان في مقدمة كتاب “شهرزاد المغربية” –والذي كان أوّل كتاب يصدر عن فاطمة المرنيسي بعد رحيلها بمساهمة نخبة من أصدقاء الراحلة ومحبّيها من المشرق والمغرب-: “إن فاطمة المرنيسي عملت بشجاعة ووفاء وإخلاص من أجل القيم الثقافية والعلمية والدينية، وأعطت بسخاء من أجل حرية المرأة ومساواتها وحقوقها بالارتكاز على الموروث الديني الإسلامي، وعلى اجتهاد العلماء والفقهاء والباحثين في علوم المعرفة، إنها قامة من قامات ثقافتنا العربية في الزمن الراهن”.

فمن هي فاطمة المرنيسي؟ وما الدور الذي لعبته مؤلفاتها في قضايا المرأة في وطننا العربي والإسلامي؟  وماهي أهم الأفكار التي عالجتها كتاباتها؟  وإلى أي حد استطاعت المرنيسي الوصول إلى مبتغاها الفكري تجاه المرأة؟ في السابع والعشرين من شهر شتنبر عام 1940، فتحت فاطمة المرنيسي عينيها وسط عائلة محافظة ثرية بالمدينة الإدريسية فاس. ترعرعت في كنف جدتها من جهة الأب في جو وصفته “بالحريم”، سيما وأنه كان يضم النساء فقط من عماتها وبعضٍ من الخادمات، وهناك تسنى لها وهي طفلة صغيرة أن تطلع على جوانب عدة من حياة المرأة في المجتمع المغربي. وفي فترة كانت فيها النساء يعشن في عزلة تامة عن الفضاء الخارجي، كانت المرنيسي من المحظوظات القليلات اللاتي حظين بحق التعليم، فقد حرص والدها على تلقيها التعليم الأولي بمدرسة أنشأتها الحركة الوطنية، ثم التعليم الثانوي بمدرسة خاصة للبنات موّلتها الحماية الفرنسية، لتلتحق بعدها بجامعة القرويين. وفي مرحلة لاحقة من عمرها واصلت المرنيسي مسارها الجامعي بكلية محمد الخامس في الرباط، حيث  أحرزت شهادة الإجازة بالعلوم الاجتماعية، لتنتقل في العام سبعة وخمسين وتسعمائة وألف إلى جامعة السوربون في باريس لإتمام رسالة الماجستير في العلوم السياسية قبل أن تحصل على دكتوراه من جامعة برانديز بالولايات المتحدة سنة أربعة وسبعين وتسعمائة وألف. وفي السنة نفسها عادت إلى الرباط لتشغل منصب أستاذة جامعية في علم الاجتماع بكلية الآداب في جامعة محمد الخامس. وعملت بالموازاة مع تدريسها بالجامعة باحثة بالمعهد القومي للبحث العلمي بالرباط، وعضوا في مجلس جامعة الأمم المتحدة، كما حاضرت في جامعات ومنتديات فكرية عربية وغربية أهمها جامعة كاليفورنيا وجامعة هارفارد. وفي إطار العمل الجمعوي والثقافي القائم على الدفاع عن حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، عنيت المرنيسي بتأسيس مبادرة جمعوية تحت اسم “قوافل المدينة”، وكان لها الفضل في إطلاق تجمّع يحمل اسم “نساء، أسر، أطفال”. وقد حظيت المرنيسي بعدة تكريمات وجوائز قيمة أبرزها جائزة “أمير أستورياس” التي تعد من أرفع الجوائز بإسبانيا والتي نالتها مناصفة مع الروائية سوزان سونتاغ التي تعتبر رمزاً من رموز الولايات المتحدة الأمريكية خلال القرن العشرين؛ كما نالت المرنيسي جائزة “إراسموس” الهولندية إلى جانب المفكر السوري صادق العظم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى