نهيلة العبيدي: روائية مغربية تلامس الزمن بالحبر

- Advertisement -

في عمر كانت فيه الأحلام تُكتب على دفاتر المدرسة، اختارت نهيلة العبيدي أن تكتب على صفحات الأدب, وتجعل من الكلمات مرآةً للتأمل وسبيلاً لفهم الحياة.

 هي فتاة شابة، وتُعد من بين أصغر الأعضاء سنًا في برلمان الشباب المغربي. لم تبدأ رحلتها مع الكتابة فجأة، بل كانت الحكاية تتشكل منذ مقاعد الابتدائي، حيث خطّت أولى قصصها القصيرة، ثم مضت بعزم وهدوء حتى أنجزت روايتها الأولى “رحلة أمل عبر الزمن”، رواية تستعرض صراع الإنسان مع الفقد والوقت والأمل.

 في هذا الحوار الخاص مع مجلة فرح، نكتشف الوجه الآخر لنهيلة: الفتاة الحالمة، والكاتبة الشابة التي اختارت الأدب وطنًا يعبر بها حدود العمر والتجربة.

 من هي نهيلة العبيدي بعيدًا عن الكتابة؟ وكيف بدأت رحلتكِ مع الأدب؟

 نهيلة فتاة هادئة جدًا بطبعها، تميل إلى التأمل في التفاصيل الصغيرة التي تضفي على الحياة معنى خاصًا. تحب الجلوس مع أصدقائها في جلسات صادقة مفعمة بالدفء والضحك، لكنها تجد في العزلة ملاذًا وفسحة تأمل تستعيد فيها ذاتها. من هواياتها ركوب الخيل التي تمنحها شعورًا بالحرية، والعزف على القيثارة التي تريحها وتساعدها على التعبير عن مشاعرها. القراءة والكتابة هما شغفها الدائم، فهما سبيلها لفهم الحياة والتعبير عما يعجز اللسان عن قوله.

 بالنسبة لرحلتي مع الأدب، فقد بدأت منذ سن صغيرة، حين كانت القراءة بالنسبة لي نافذة أطل منها على عوالم متنوعة من الأفكار والمشاعر. مع كل كتاب قرأته، نمت في داخلي رغبة قوية لأن أعبر عن ذاتي بطريقتي الخاصة، فبدأت أكتب كلمات متناثرة وقصصًا بسيطة. ومع مرور الوقت وتكرار الممارسة، تطورت كتاباتي وأصبحت أكثر عمقًا وتنظيمًا، حتى غدت الكتابة جزءًا لا يتجزأ من حياتي، وسبيلي لفهم العالم والتواصل معه. كانت تلك البداية الصغيرة نقطة انطلاق نحو رحلة مفعمة بالإبداع في عالم الأدب الرحب.

 يحمل عنوان الرواية بُعدًا فلسفيًا وزمنيًا.. كيف تشرحين للقارئ جوهر هذا “الزمن” الذي تسافرين فيه؟

 يحمل عنوان الرواية “رحلة أمل عبر الزمن” أكثر من مجرد معنى ظاهري؛ فهو يجسد البعد الخيالي والفلسفي في آن واحد. يشير الجزء الخاص بـ”عبر الزمن” إلى الرحلة التي يخوضها البطل نحو الماضي، محاولًا تغيير مصير لا يرحم، حيث يصبح الزمن في الرواية عنصراً غامضًا ومخيفًا، لا يمكن السيطرة عليه أو تجاوزه بسهولة.

 وبذلك، فالزمن هنا ليس مجرد إطار سردي، بل مرآة تعكس الرحلة الإنسانية بكل تعقيداتها وأملها المستمر.

 ما هي الرسائل الأساسية التي رغبتي في إيصالها من خلال هذه الرواية؟

 الرسالة التي أردت إيصالها من خلال هذه الرواية هي أن الموت ليس نقيضًا للحياة، بل امتداد لها، فصل صامت من فصولها، ونسيج وجودنا نفسه. فكثيرًا ما نخشاه، ونحاول تجاوزه أو الالتفاف عليه، لكن الحقيقة أن وجودنا لا يكتمل إلا بفهمنا لحدوده. أما الفقد، فمهما كان موجعًا، ليس نهاية الرحلة بل هو محطة نكمل بعدها الطريق وقد تغيرنا. فالقوة لا تكمن في نسيان الألم، بل في القدرة على التعايش معه، في أن نحمله دون أن يعوقنا عن المضي قدمًا. 

كيف تصفين أسلوبكِ في الكتابة؟

 أسلوبي في الكتابة ينبع من رغبة صادقة في ملامسة الإنسان داخل القارئ. لا أسعى لأن أبهر بالكلمات، بل لأن أصغي لما لا يقال، وأمنح الحروف قدرة على التعبير عما يصعب التعبير عنه.

 هل تميلين أكثر إلى اللغة الشاعرية، أم إلى السرد الواقعي؟

 أميل إلى اللغة التي تحتفظ بعذوبتها دون أن تنفصل عن الواقع، لغة شاعرية تحمل ما يكفي من الحس لتلامس الروح، وما يكفي من الوضوح لتصل إلى القلب دون عناء. لا أرى في الشاعرية ترفًا، بل وسيلة لجعل الألم أصدق، والفكرة أعمق، والمشهد أكثر حياة.

 لكنني في الوقت ذاته، أؤمن بقيمة السرد الواقعي، وصدق التفاصيل التي تكتب كما تعاش. لذلك أحاول أن أوازن بين الاثنين: أن أروي الواقع بعين الشاعر، وأكتب الحلم بقدم تلمس الأرض. فاللغة بالنسبة لي ليست غاية، بل جسر. أختارها بحسب ما تقتضيه اللحظة، وبحسب ما يستحقه المعنى.

 ما المصادر أو الكتب التي أثرت في أسلوبك ككاتبة؟

 كان للأدب الروسي تأثير بالغ على أسلوبي في الكتابة، وعلى وجه الخصوص أعمال فيودور دوستويفسكي، التي فتحت أمامي آفاقًا جديدة لفهم النفس البشرية. لم يكن يكتب روايات فحسب، بل كان يعري التناقضات الداخلية، ويطرح أسئلة وجودية كبرى.

 كذلك كان لنيكولاي غوغول، ولا سيما قصته “المعطف”، أثر خاص. حيث تعلمت من خلالها كيف يمكن للأدب أن يعبر عن قضايا المجتمع ببساطة ظاهرة وعمق خفي، وأن التفاصيل اليومية قد تحمل في طياتها أبعادًا إنسانية واجتماعية بالغة الدلالة.

 هذه القراءات وغيرها شكلت رؤيتي للكتابة، ورسخت في داخلي إيمانًا بأن الأدب الحقيقي لا يكتفي بالسرد، بل ينير الزوايا المعتمة في الإنسان والعالم من حوله.

نهيلة العبيدي
نهيلة العبيدي

 ما هي أبرز التحديات التي واجهتك ككاتبة شابة في إثبات صوتك؟

 من التحديات الأولى التي اعترضت طريقي ككاتبة شابة كانت تلك النظرة المسبقة التي تربط النضج الأدبي بالسن أو التجربة الطويلة، خاصة من دور النشر.

 ثم كان علي أن أبحث عن مساحة خاصة أعبر فيها عن ذاتي، دون أن أنساق وراء ما هو سائد أو أكرر ما يُقال، بل أن أكتب بما يشبهني، لا بما يُنتظر مني. فقد كان علي أن أتمسك بصوتي، بلغتي، وبأسئلتي الخاصة.

 وأرى أن أي تحدٍّ واجهته لم يكن عائقًا، بل كان حافزًا يدفعني نحو المزيد من الاجتهاد والإبداع. تلك الصعوبات الصغيرة حفزتني على تطوير صوتي الخاص، وعلمتني أن المثابرة والثقة بالنفس هما المفتاحان الرئيسيان في رحلة الكتابة.

 كيف ترين العلاقة بين الكاتب والقارئ؟

 أراها علاقة تواصل صامتة، لكنها عميقة وممتدة. فالكاتب يكتب في عزلته، لكنه لا يكتب لنفسه وحده، بل يفتح نافذة للقارئ ليطلّ من خلالها على جزء من عالمه، وربما من نفسه أيضًا.

 ما هي المحطات التي تطمحين لبلوغها؟

 أطمح إلى أن تكون كتاباتي جسراً يصل بين القارئ والإنسانية بكل تعقيداتها، وأن تترك أثراً يتردد صداه طويلًا بعد أن تُطوى الصفحات. أسعى لأن أطور من نفسي باستمرار، وأن أتعلم من كل تجربة وخطأ، وأن أبدع في نقل القصص التي تحرك المشاعر وتثير التفكير.

 كما أطمح إلى الإسهام في إثراء المشهد الأدبي بطرح قضايا مهمة بأسلوب راقٍ، وأن أكون صوتًا أدبيًا مسموعًا.

 هل هناك مشروع أدبي جديد تعملين عليه حاليًا؟

 نعم، أعمل حاليًا على مشروعين أدبيين جديدين: رواية ومجموعة قصصية، حيث يمثل كلا المشروعين بالنسبة إلي فرصة لتجربة أساليب سردية مختلفة، وكتابة قصص تحمل عمقًا وصدقًا. وآمل أن تصل هذه الأعمال إلى القارئ وتترك أثرًا في وجدانه.

 بقلم إيمان البدري