انتصار حدية: بين سماعة الطبيب وصوت الرواية

- Advertisement -
ابنة المغرب النابضة بالقوة والأمل، انتصار حدية، وُلدت في آسفي عام 1981، وترعرعت بين أزقة الرباط، حيث تآلف شغفها بالطب، لا سيما في مجال أمراض الكلى، مع عشقها العميق للكلمة والكتابة.حصدت مجموعة من الجوائز الأدبية المرموقة، كان أبرزها عن روايتها “Au fil des songes”, التي صدرت سنة 2017 عن دار النشر Saint-Honoré، ونالت عنها الجائزة الفرنكوفونية في مسابقة أدبية فرنسية. وقد تُرجمت الرواية إلى الإنجليزية ونُشرت في لندن. وفي عام 2019، أصدرت روايتها الثانية “L’inconnue”، التي تُرجمت إلى اللغة العربية، وحصلت لاحقًا على وسام مؤسسة “Trophée de la Fondation d’Africanité” سنة 2023. أما أحدث أعمالها الأدبية، رواية “Un si long chemin”، فقد صدرت عام 2024، مؤكدة من جديد حضورها المميز في الساحة الأدبية الفرانكوفونية والعربية.
بين سماعة الطبيب وقلم الروائي، تستمع انتصار للإنسان من قلبين: جسد ينبض وروح تتألم، فتنسج من العلم والخيال عالماً متكاملاً. في حوارها مع مجلة “فرح”، تفتح لنا نوافذ عالمها المركب، حيث تتشابك المعرفة الطبية مع سحر الأدب، فتروي آلام المرضى، وهموم النساء، وتحولات المجتمع، بكل صدق وإنسانية.
انتصار حدية
من هي انتصار حدية؟ 
أنا طبيبة متخصصة في أمراض الكلى، وأستاذة التعليم العالي في الطب، وباحثة. لكنني أيضًا كاتبة روائية مغربية أؤمن بأن الطب والعلم لا يُلغيان الشغف بالإبداع الأدبي، بل قد يغذّيان جوهره. أحاول أن أتناول قضايا المجتمع وأعبّر عنها بأصوات متعددة: من خلال العلم، الأدب، ومن خلال المواقف الإنسانية الصادقة.
كيف كانت رحلتك الأولى نحو الطب؟ ومتى بدأ شغفك بالكتابة الأدبية؟
اخترت دراسة الطب بدافع عميق لفهم الأمراض وعلاجها. أما الأدب، فقد بدأ شغفي به مبكرًا جدًا، منذ سنوات الطفولة، حين كنت مولوعة بالقراءة، ثم بدأت أكتب القصص القصيرة. ومع مرور الوقت، نضج هذا الصوت الداخلي، وبدأ يتخذ شكلًا أدبيًا أكثر وضوحًا.
هل كان من الصعب الموازنة بين الطب كعلم دقيق، والكتابة كفن إنساني إبداعي؟
نعم، التحدي موجود، لكنه ليس تناقضًا. فالطب يمنحني المعاني، والكتابة تمنحني اللغة، كما أن الطب يشخّص الألم، أما الرواية فتحاوره.
ما المواضيع التي تفضلين معالجتها في كتاباتك؟ وهل هناك رسائل إنسانية تسعين لتوصيلها؟
أكتب في رواياتي عن الإنسان في هشاشته وقوّته، وعن النساء في مجتمعاتنا، وعن الأمل وسط الانكسار. وأنا مؤمنة بأن النساء المغربيات يحملن قصصًا تستحق أن تُروى بكرامة وتقدير.
هل تكتبين بأسلوب رمزي أم مباشر؟ ولماذا اخترتِ هذا الأسلوب؟
أكتب بأسلوب يجمع بين الرمزية والوضوح. أؤمن أن القارئ ذكي ويستحق أدبًا يحترم عقله ووجدانه في آنٍ معًا.
هل هناك روائيون أثّروا في مسيرتك الأدبية؟

نعم، هناك العديد من الأسماء التي أثّرت في مساري الأدبي. من بينهم الروائي المغربي الكبير مبارك ربيع، الذي ترك أثرًا عميقًا في ذاكرتي وكتابتي، بفضل عمقه الإنساني وتفاعله مع الواقع المغربي. كما تأثّرت بكُتّاب من عوالم مختلفة، مثل توني موريسون، التي أدهشتني بقوة السرد وغنى المضامين، وآني إرنو، التي أعجب بقدرتها على تحويل التجربة الشخصية إلى كتابة عالمية. أما دوستويفسكي، فكان بوابة لانفتاحي على ثقافة بعيدة عني، ولا تزال رواياته تترك بصمتها في كل ما أكتبه.
فالكتابة بالنسبة لي هي لقاء مستمر مع أرواح متعددة، والقراءة كانت ولا تزال المدرسة الأولى التي شكّلت لغتي وهويتي.
الطب كمرآة للإنسان والألم
كطبيبة، هل وجدتِ في الكتابة وسيلة لفهم أعمق للإنسان وألمه؟
تمامًا. الطبيب يرى الألم، أما الكاتب فيسمعه. لقد منحتني الكتابة بُعدًا آخر لفهم المعاناة، وساعدتني على اكتساب نوع من التوازن، وعلى الحفاظ على تعاطفي الإنساني ضمن مهنة ليست سهلة.
هل هناك مواقف طبية أو إنسانية دفعتك إلى الكتابة عنها بطريقة أدبية؟
نعم، هناك مواقف عديدة أثّرت فيّ. كثيرًا ما قابلت نساءً يُقاتلن بصمت، ومرضى يُقاومون اليأس بشجاعة، وعلاقات إنسانية تنشأ في ظلّ المرض وتكشف عن عمق مذهل. بعض هذه القصص وجدت طريقها إلى رواياتي، ولو بأسماء وأحداث مختلفة.
المرأة والكتابة وكسر الصور النمطية
كامرأة عربية تنشط في مجالين قويين: هما الطب والأدب، ما التحديات التي واجهتكِ؟
كان التحدي الأول ألا يُختصر دوري في صورة نمطية. ففي الطب، كان لا بد من إثبات الجدارة، لا بالخطاب بل بالإنجاز. وأما في الأدب، كان التحدي ألا تُصنّف كتابتي باعتبارها “كتابة نسوية ضيقة”، بل ككتابة إنسانية تنبع من حسٍّ أنثوي واعٍ بقضايا المجتمع.
كيف ترين دور المرأة الكاتبة اليوم؟ وهل هناك فجوة بين صوت المرأة الكاتبة والواقع المجتمعي؟
أرى المرأة الكاتبة اليوم تُسهم في كتابة الذاكرة الجماعية، وتسعى لتقديم روايتها الخاصة للتاريخ والحياة. لكن لا تزال هناك فجوة بين ما تكتبه المرأة، وبين ما يُمنَح لها من مساحة للانتشار والتأثير. نحن بحاجة إلى حضور نسائي وازن وفعّال، لا مجرّد المجاملة، وإلى مؤسسات ثقافية تواكب هذا الحضور وتدعمه.
هل تسعين من خلال كتاباتك لكسر صور نمطية معيّنة؟
بكل تأكيد. اخترت أن تكون الشخصيات النسائية هي المحور الرئيسي في جميع رواياتي. أكتب لأمنح المرأة مساحة كاملة للتعبير عن كيانها، وأحاول أن أُخرجها من الصور النمطية المختزلة، وأمنحها صوتًا وحضورًا يليقان بتعدّد أدوارها وعمق تجربتها الإنسانية.
حوار إيمان البدري