حين تغني الفنانة المغربية بهويةٍ ترتديها

- Advertisement -

في زمن تسارعت فيه الإيقاعات وتنازعت فيه الثقافات، تشهد الأغنية المغربية المصوّرة تحولًا نوعيًّا، تقوده فنانات شابات عدن إلى الجذور، لا بحثًا عن الماضي كحنينٍ عابر، بل استدعاءً له بوصفه مشروعًا فنّيًا وهويةً بصرية وصوتية كاملة.

خولة مجاهد (جيلان)، دعاء اليحياوي، منال بنشليخة وغيرهن، لا يكتفين بالغناء، بل يحملن على عاتقهن رسالةً ثقافية عميقة تعيد تشكيل الأغنية المغربية في قالب عصري يحتفي بالأصالة.

القفطان المغربي: بطل الصورة ومرآة الانتماء

في فيديو كليب «آوليدي»، تطلّ جيلان وقد ارتدت قفطان النطع التقليدي، محاطةً بنساء يرتدين أزياء مغربية تراثية بألوان ترابية دافئة.

ولا تكتفي الصورة بعرض اللباس، بل تفتح نوافذ نوستالجية على البيت المغربي، على العائلة، على الأم والجدة والحناء والعادات اليومية.

وفي هذا المشهد، لا يظهر القفطان كمجرّد زي، بل كـ«نص بصري» كما يصفه رولان بارت، يعبّر عن هوية، ويستعيد الذاكرة الجمعية في شكل من أشكال السيادة الرمزية.

الأمر ذاته تكرّره الفنانة دعاء اليحياوي، التي اتخذت من القفطان المغربي رمزًا للقوة والأنوثة الأصيلة، بينما قدّمت منال بنشليخة تصالحًا إبداعيًا بين الزي المغربي والستايل المعاصر، جاعلة من المرأة المغربية شخصية منفتحة على العالم دون أن تنسلخ عن جذورها.

الفضاء المغربي: من خلفية إلى رسالة

ولم تعد مواقع تصوير الكليبات المغربية تُختزل في استوديوهات معزولة أو ديكورات مصطنعة. لقد أصبحت قرى الأطلس، وأزقة مراكش، وشرفات الشاون، ورياضات فاس، مسرحًا بصريًا يستعيد عبق التاريخ، حيث يُصبح الزليج البلدي بطلًا، وتغدو التفاصيل المعمارية رسائل حية عن الذوق المغربي المتفرّد.

إنه استرجاع ذكي للعمق التراثي، حيث تصير الطبيعة والمعمار شريكين في الحكي الفني، وتتحول الجغرافيا إلى شهادة حيّة على غنى الهوية.

الأغنية المغربية: نَفَسٌ جديد بلُغة الأم

وعلى مستوى الصوت، لم تعد الأغنية المغربية تكتفي بإيقاعات البوب والراب فقط، بل عادت إلى مزجها بإيقاعات مغربية ضاربة في العمق كـالعيطة، وكناوة، والراي، والأهازيج الأمازيغية والريفية والحسانية، مع لمسة إلكترو عصرية.

وتتحدث الأغاني بلهجات مغربية متعددة، ما يعكس انفتاحًا على الهوية المغربية الشاملة، ويكرّس الفخر بالخصوصيات الثقافية بدل الانصهار في ما هو وافد أو مكرَّر.

«آوليدي»:  سيمياء الانتماء وصورة السيادة

كليب «آوليدي» الذي وقّعه المخرج أيوب السفات ليس مجرّد إنتاج موسيقي، بل عمل بصري يستثمر الذكاء السيميائي بامتياز.

تظهر جيلان مرتدية القفطان، ثم قميص المنتخب الوطني المغربي، محاطة بأطفال يرتدون القميص ذاته، في مشهد يقطر فخرًا.

تركب الحصان على شاطئ مغربي بزي التبوريدة، وتُظهر مشاهد العرس المغربي والشاي التقليدي، فيما يظهر والدها الموسيقار حسن مجاهد عازفًا على آلة الكمان، في لقطة تمزج الأجيال برمزية مؤثرة.

المرأة المغربية: من موضوع للكليب إلى صانعته

وبعيدًا عن التنميط، باتت المرأة المغربية هي «صاحبة المشروع»، لا مجرّد حضور رمزي.

في هذه الموجة الجديدة، لم تعد المرأة في الكليب أداة ترويج، بل هي الفاعلة، المبدعة، الراوية؛ فالفنانة اليوم تكتب، تؤلف، تنتج، وتوجه رسائلها بوعي.

جيلان ومنال ودعاء وأخريات، يمارسن الغناء كفعل ثقافي بصري متكامل، لا كمنتج استهلاكي عابر.

كما أصبحت الأغنية المصوّرة منصة لهوية مرئية، ولسرد جماعي يعيد كتابة «الأنا المغربية» بصيغة فنية مُبهِرة.

أغنية الهوية: من المغرب إلى العالم

لا غرابة أن تلقى هذه الأعمال احتفاءً واسعًا محليًا وعربيًا ودوليًا، فهي تقدم المغرب كما هو: غنيًا، متنوعًا، مشعًا.

لقد تحولت الأغنية المغربية المصوّرة إلى مرآة تعكس عمق الثقافة، وسفيرة رمزية تجول العالم محمّلة بالحنين والوعي والانتماء.

علاء البكري