علاء البكري
في الذكرى السادسة والعشرين لاعتلائه عرش أسلافه الميامين، أطلّ الملك محمد السادس على شعبه من مدينة تطوان، في خطاب سامٍ حمل بين كلماته ملامح رؤيةٍ ملكية تستشرف المستقبل دون أن تغفل نبض الواقع، وتبني على المنجز دون أن تنسى ما تبقّى من انتظارات الوطن الذي حرص جلالته “على تعزيز مكانته ضمن نادي الدول الصاعدة.”
النهضة ليست صدفة… بل رؤية ومسار
لم يكن ما تحقق من إنجازات، بحسب العاهل المغربي، وليد المصادفة أو منّة الظروف، بل هو ثمرة اختيار تنموي راسخ، واستقرار مؤسسي وأمني جعل من المغرب نموذجًا في محيطه الإقليمي والدولي.
وفي هذا السياق، أشار جلالة الملك إلى أن السنوات الأخيرة، رغم ما عرفته من أزمات عالمية متوالية ومواسم جفاف قاسية، لم تُفقد الاقتصاد الوطني توازنه، بل حافظ على نسبة نمو منظمة ومتصاعدة، تعكس صلابة الإطار الماكرو-اقتصادي وحكمة التوجيهات الاستراتيجية.
ومن بين معالم هذا الصعود، يُسجّل المغرب تطورًا لافتًا في صادراته الصناعية التي تضاعفت منذ سنة 2014، لا سيما في القطاعات المرتبطة بـالمهن العالمية للمغرب، مثل: صناعة السيارات، والطيران، والطاقات المتجددة، والصناعات الغذائية.
هذه القطاعات، التي وصفها الملك بكونها “رافعة أساسية لاقتصادنا الصاعد”، جعلت من المملكة شريكًا موثوقًا ومسؤولًا، متعدد العلاقات والانفتاحات، تتقاطع مصالحه مع الضفتين الأوروبية والإفريقية، ومع آفاقٍ آسيوية وأمريكية واعدة.
الصعود العادل… هو الصعود الحقيقي
لكن الملك محمد السادس لم يكتفِ بلغة الأرقام، بل اختار أن يُحمّل الخطاب شحنةً أخلاقيةً واجتماعيةً عالية. وقالها بوضوح: “لن أكون راضيًا، رغم كل ما تحقق، إذا لم تساهم هذه التنمية في تحسين ظروف معيشة المواطنين في جميع المناطق والجهات.”
في هذه الجملة المفصلية، تتجلى روح العدالة المجالية، باعتبارها بوصلة الحكم وشرطًا لتحقيق “مغرب لا يسير بسرعتين”، مغرب لا يُقصي الأطراف، ولا يترك مناطق تعاني من برودة الخدمات، وهشاشة البنية، وعتمة التفاوتات.
ولهذا، أكد جلالته على ضرورة مواصلة ورش الدعم المباشر للأسر المستحقة، ومضاعفة الجهود لتكريس التنمية البشرية كعماد للنهضة الاقتصادية. فالصعود، في الرؤية الملكية، لا يُقاس فقط بالأبراج العالية أو الأرقام الدولية، بل بمدى انعكاسه على حياة المواطن البسيط في الجبل والبادية والقرى المهمشة.
من القنيطرة إلى مراكش… وخريطة الأمل تتسع
ولم يخلُ الخطاب من إشارات رمزية إلى مشاريع كبرى تُترجم إرادة التوازن الوطني، من بينها إطلاق خط القطار فائق السرعة بين القنيطرة ومراكش، الذي سيفتح آفاقًا جديدة للتنقل والاستثمار والتلاقح بين الجهات، ويُعيد ترسيم الجغرافيا الوطنية على إيقاع الحداثة.
تجديد للبيعة… وتثبيت للمسار
عيد العرش، كما جاء في الخطاب، ليس فقط مناسبة للاحتفال، بل محطة لتجديد البيعة بين الملك وشعبه، ووقفة تأمل في ما تحقق، وما يجب إنجازه.
هي لحظة يُكتب فيها الوطن بحبر الوفاء، ويستأنف مسيرته بثقة في نفسه، وإيمان بقيادته، وعزيمة لا تنكسر.



