الزواج الكبير في جزر القمر… تحدي الفقر وتكريس المكانة

- Advertisement -

في قلب جزر القمر، وتحديدًا في جزيرة القمر الكبرى، لا يقتصر الزواج على ارتباط ديني أو مدني فحسب، بل يتحوّل إلى حدث اجتماعي ضخم يُعرف بـ”الزواج الكبير” أو “زواج العادة”، يُقام غالبًا خلال العطلة الصيفية، ويجذب الآلاف من القمريين المقيمين في الخارج.

احتفالات تبدأ بالذِكر وتنتهي بالمجد الاجتماعي

في ساحة بادجناني وسط العاصمة موروني، تزيّنت الشوارع بالرايات والمصابيح لاستقبال احتفالات “الزواج الكبير” لعروسين يعيشان في فرنسا. وكما جرت العادة، تبدأ المراسم بمجلس ذِكر صوفي يحضره الأعيان مرتدون الشالات الفاخرة والملابس التقليدية المميزة.
يؤكد أستاذ التاريخ والحضارة القمرية، موسى سعيد، أن هذا الحدث يتجاوز كونه حفل زفاف: “الإنسان في جزيرة القمر الكبرى يولد مرتين. مرة بإرادة الله، ومرة بفضل الزواج الكبير”.

“زواج العادة”: واجب اجتماعي ومؤشر مكانة

على عكس حفل الزواج الديني البسيط، يُعتبر “الزواج الكبير” بمثابة التتويج الحقيقي للعريس، إذ يمنحه مكانة مرموقة في مجتمعه. ويُعد هذا التقليد جزءًا من الهوية الجماعية في جزر القمر، حيث يقام وفق قواعد صارمة خاصة في جزيرة القمر الكبرى، ويُعرف بارتفاع تكلفته.

الزواج الكبير في جزر القمر

استعدادات فاخرة ومبالغ باهظة

في بلدة تسيدجي الجبلية، يستعد فايد قاسم، وهو شاب من أصول قمرية يعيش في جزيرة لا ريونيون الفرنسية، لحفل زواجه الكبير من فايزات أبو بكر. في منزل العائلة، تُعرض أطقم من الذهب والمجوهرات الفاخرة، في مشهد يجسّد فخامة هذه التقاليد.
يقول فايد، مرتديًا معطفًا مخمليًا مطرزًا بالذهب: “أشعر أنني أنجزت شيئًا عظيمًا. كنت أريد هذا الزفاف بشدة تكريمًا لعاداتنا ولوالديّ وعائلة زوجتي”.

الزوجة تملك المنزل والنسب للأم

يُقيم الزوجان بعد الزواج في منزل عائلة الزوجة، إذ يقوم المجتمع القمري على نظام النسب الأمومي، ما يجعل بيت الزوجية من حق المرأة. وتُعد هذه المراسم بمثابة ختم لمسار اجتماعي طويل يمر به الرجال منذ سن الثانية عشرة، ويبلغ ذروته بـ”الزواج الكبير”.
توضح عالمة الأنثروبولوجيا أن الرجال في المجتمع القمري يصعدون سلمًا اجتماعياً من أربع مراتب، ويُمثل الزواج الكبير ذروة هذا التسلسل.

تكاليف تُنهك الأسر رغم الفقر

قدّر الباحث القمري ضمير بن علي تكلفة الزواج الكبير عام 2009 بين 7,000 و273,000 دولار أمريكي، مؤكدًا أن هذه التكاليف ارتفعت لاحقًا. وتُموّل غالبًا من مدخرات عمر كامل، في وقت يعيش فيه نحو 45% من السكان تحت خط الفقر، بدخل شهري لا يتجاوز 116 دولارًا للفرد.

الزواج الكبير في جزر القمر

عرس أم تنصيب ملكي؟

ترتدي العروس والعريس ملابس تذكّر بملوك وسلاطين جزر القمر قبل الاستعمار الفرنسي. ويشبّه الدبلوماسي والباحث سلطان شوزور هذه المراسم بتنصيب ملك، قائلًا: “الزواج الكبير هو بأكمله عبارة عن تنصيب ملك جديد”.

تحرير: إيمان البدري