المولد النبوي الشريف في المغرب: محبة متجذرة وهوية متجددة

- Advertisement -

علاء البكري

مع إطلالة شهر ربيع الأول، تعود إلى القلوب ذكرى من أبهى ما يختزن الوجدان الإسلامي: يوم وُلد فيه خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم. 

في هذا اليوم المبارك يستحضر المغاربة السيرة النبوية العطرة، ويجددون العهد مع قيم الرحمة والصفاء، جاعلين من المولد النبوي موعدًا سنويًا تتجلى فيه وحدة الروح والهوية.

موعد الاحتفال لعام 2025

وتشير الحسابات الفلكية إلى أن فاتح ربيع الأول لعام 1447 هـ سيوافق الجمعة 5 شتنبر 2025، لتكون ذكرى المولد النبوي الشريف يوم الثلاثاء 16 شتنبر. موعد يتأهب له المغاربة كما يتأهبون للقاء عزيز، بما يحمله من دلالات روحية واجتماعية متجذرة في تاريخهم.

بدايات راسخة في التاريخ المغربي

عرف المغرب الاحتفال بالمولد النبوي منذ قرون، إذ أقيم أول احتفال رسمي سنة 1250 ميلادية في مراكش بأمر الخليفة الموحدي المرتضى.

 ثم جاء القاضي أبو العباس العزفي بسبتة ليؤسس لطقوس منظمة، ويؤلف كتابه “الدر المنظم في مولد النبي المعظم” الذي دعا فيه إلى جعل الذكرى إطارًا تربويًا وثقافيًا يربط المسلمين بسيرة نبيهم ويحصن هويتهم. 

ومنذ ذلك الحين، صار المولد موعدًا راسخًا في وجدان المغاربة، يتوارثه الجيل عن الجيل.

طقوس شعبية ذات دلالات عميقة

وفي الذاكرة الشعبية، كان المولد يوم فرح جماعي. تُعد الأسر أطباقًا خاصة، ويذبح الديك أو يُطهى الكسكس، ويرتدي الأطفال ملابس جديدة. 

وفي بعض مناطق الريف، كانت النساء يرفعن الأقمشة المطرزة فوق الأسطح وتُحضَّر أطعمة النفساء، في إشارة رمزية لاستقبال مولود كريم في البيت. 

وأضفت هذه الطقوس البسيطة على الذكرى معنى إنسانيًا وروحيًا، وجعلتها جزءًا حيًّا من تفاصيل الحياة اليومية.

مواكب وأنوار ومدائح

ولم يقف الأمر عند حدود البيوت، بل امتد إلى الفضاء العام. تعالت المدائح النبوية، وتُليت قصائد البوصيري، وازدانت الزوايا بليالٍ من الذكر والإنشاد. 

ومن أبرز المظاهر المغربية موكب الشموع بمدينة سلا، الذي استلهمه السلطان أحمد المنصور الذهبي من إسطنبول، فتحول إلى مهرجان سنوي يضيء الشوارع بأنوار المحبة ويجمع الناس على ذكر الحبيب المصطفى.

بين النقاش الفقهي والوجدان الشعبي

ورغم اختلاف الفقهاء في توصيف هذه الممارسة، فإن المغاربة ظلوا يرون فيها مناسبة لتعميق المحبة وتجديد الصلة بالسيرة النبوية. فهي ليست عيدًا جديدًا، بل محطة روحية وثقافية تترسخ عبرها القيم الإسلامية، ويجد فيها المجتمع المغربي وسيلة للحفاظ على تماسكه وهويته.

ذكرى تتجدد عبر الأجيال

ومع كل عام هجري، تتوقف الإدارات يومين كاملين ليشارك الجميع في الاحتفالات. تُزيَّن المساجد، وتضاء الزوايا، وترتفع الأناشيد في الأزقة والبيوت. 

إنها لحظة وطنية وروحية في آن واحد، تجتمع فيها القلوب على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتستعيد الأمة بهاءها الأخلاقي ووهجها الروحي.

وهكذا يظل المولد النبوي الشريف في المغرب أكثر من ذكرى تاريخية؛ إنه موعد متجدد تتجسد فيه وحدة الأمة، وتزهر فيه محبة لا تنطفئ عبر العصور.