علاء البكري
في الخامس من شتنبر، أضاءت الرباط ليلها بمجد جديد. كان ملعب الأمير مولاي عبد الله في حلته الباذخة الجديدة أشبه بمسرح أسطوري، تتعانق فيه الأضواء مع هتافات الجماهير، وتنسج فيه الأقدام المغربية لحن الانتصار.
هناك، حيث احتشدت القلوب قبل الأجساد، دوّى اسم المغرب عاليًا، معلنًا تأهل الأسود رسميًا إلى كأس العالم 2026، كأول ممثل لإفريقيا في هذا العرس الكوني.
والليلة تحولت إلى عرس جماعي، تزينت فيه الرباط بالأعلام، واهتزت مدرجات الملعب بالأهازيج والهتافات. لوحة وطنية جامعة، انصهرت فيها الأصوات والقلوب على نغمة واحدة: حب الوطن وفخر الانتصار.

خماسية تصنع الفخر
منذ الدقيقة التاسعة والعشرين، حين وقع إسماعيل الصيباري الهدف الأول، بدا وكأن الملعب نفسه يرتجف فرحًا. أضاف الصيباري الثاني بعد دقائق، فاشتعلت المدرجات بنشيد جماعي يردد اسم الوطن.
ومع مطلع الشوط الثاني، زاد أيوب الكعبي من غلة الأهداف، ليؤكد أنه قناص اللحظات الحاسمة، قبل أن يلتحق به حمزة إيكمان بلمسة أولى تحولت إلى رابع الأهداف.
ثم جاء الدور على عز الدين أوناحي ليكتب السطر الأخير في ملحمة الخماسية، في الدقيقة الخامسة والثمانين، لتكتمل القصة بلون الانتصار.
الخماسية حملت أكثر من دلالة: إتقان في الأداء، وانسجام في التحرك، ووعي تكتيكي يترجم نضج جيل جديد من الأسود.
ملحمة تأهل ثالثة على التوالي
هذا الفوز مثل موعدًا مع التاريخ. فالمغرب، الذي جمع العلامة الكاملة في التصفيات، حجز مكانه في المونديال للمرة الثالثة على التوالي، معززًا حضوره بين كبار العالم.

إنها مسيرة تعكس نضج كرة القدم المغربية، وتؤكد أن ما تحقق في قطر كان بداية لمسار يزداد رسوخًا.
والتأهل هذه المرة، قبل جولتين من نهاية التصفيات، يروي قصة فريق تجاوز مجرد الطموح إلى مرحلة الريادة، فكان أول الأفارقة وصولًا إلى المونديال.
ملعب بحلة عالمية وجماهير بحب لا ينطفئ
المشهد في الرباط ارتقى إلى ما هو أبعد من مباراة في كرة القدم. الملعب الجديد، الذي أعيد بناؤه ليصبح تحفة معمارية رياضية، خطف أنظار الصحافة الأجنبية، فوصفت الصحف الفرنسية صرح الأمير مولاي عبد الله بأنه ولادة لملعب بمواصفات عالمية.
هذا الصرح لم يكن جدرانًا وحديدًا، وإنما شهادة على قدرة مغربية تصنع المعجزات بعرق وسواعد محلية، وإضافة نوعية للبنية التحتية الرياضية التي تؤهل المغرب لاحتضان كبرى المنافسات العالمية.

أما على المدرجات، فقد تجلى المشهد في أبهى صوره. الجمهور شارك في صناعة اللحظة كما لو كان لاعبًا إضافيًا، أصواته غذّت اللاعبين بالطاقة، وهتافاته صارت جدارًا يحمي الأسود من أي فتور.
لقد بدا كل فرد في المدرجات وكأنه يساهم في تسجيل الأهداف، حتى تحولت المباراة إلى احتفال وطني متكامل.
أسود الأطلس: وعد يتجدد
الخماسية حملت رسالة مفتوحة إلى العالم. جيل جديد يعلن أن المغرب حاضر بقوة في سماء كرة القدم. أسود الأطلس، بقتاليتهم وروحهم وإصرارهم، يرسمون بداية جديدة نحو مونديال 2026، حيث يطمحون لكتابة فصل أعظم في سجل الإنجازات المغربية.

هذا الجيل، الذي يجمع بين لاعبين محليين ومحترفين في الدوريات الأوروبية، يعكس صورة المغرب المعاصر: وطن يصنع المجد في ميادين الكرة، ويقدم للعالم وجهًا آخر لإفريقيا، وجهًا مشرقًا يحمل في طياته القوة والإبداع والأمل.
ألبوم صور الجمهور:



