باريس: الوثائقي “راشيل” ضمن معرض “تحف غزة”

- Advertisement -

علاء البكري

 تجددت حياة الوثائقي راشيل، للمخرجة المغربية سيمون بيتون، في عرض جديد بقاعة معهد العالم العربي في باريس، ضمن برنامج ثقافي يوازي معرض “كنوز غزة المُنقذة – خمسة آلاف عام من التاريخ”.

ولم يكن هذا الاختيار مجرد برمجة، وإنما كان استعادة لصرخة شابة أمريكية سقطت تحت جرافة إسرائيلية، وهي في ربيعها الثالث والعشرين، دفاعًا عن حق الفلسطينيين في الحياة والكرامة.

قصة شابة صنعت أيقونة إنسانية

ويروي الفيلم حكاية الناشطة الأمريكية راشيل كوري، التي التحقت بالأراضي الفلسطينية لتقف بجانب المدنيين في مواجهة سياسات الاحتلال والفصل العنصري.

كانت راشيل عزلاء إلا من إيمانها بالعدالة، قبل أن تتحول إلى ضحية أمام أنظار الفلسطينيين وكاميرات العالم.

ومنذ إنتاجه عام 2009، ظل الفيلم مرجعًا يفضح القمع، ويحمل ذاكرة امرأة صغيرة تحولت إلى رمز عالمي للإنسانية.

جدل سياسي وإعلامي يلاحق الفيلم

لم يكن عرض راشيل في المهرجانات الدولية سهلًا؛ فقد واجه الفيلم ضغوطًا من لوبيات داعمة لإسرائيل، وصلت إلى حد اتهام المؤسسات التي دعمت عرضه، مثل مجموعة أصوات يهودية من أجل السلام، بـ”معاداة السامية”.

ورغم ذلك، واصل الفيلم مساره، مثبتًا أن السينما قادرة على مقاومة التعتيم، وأن الذاكرة لا تُطمس مهما حاولت القوى السياسية طمسها.

سيمون بيتون: كاميرا منفتحة على فلسطين والمغرب

المخرجة سيمون بيتون، التي تنحدر من أصول مغربية يهودية وتحمل الجنسية الفرنسية والإسرائيلية، جعلت من القضية الفلسطينية محورًا أساسيًا في أعمالها.

 أخرجت وثائقيات مرجعية مثل “فلسطين”، الذي لا يزال يُعرض في المدارس الفرنسية، وفيلم “جدار” الذي فضح مأساة الفصل العنصري، إضافة إلى أفلام عن محمود درويش والمهدي بن بركة.

في أعمالها، تتقاطع السيرة الشخصية مع التاريخ الجماعي: فهي تعلن علاقتها المركبة كـ”يهودية عربية” بلا تراتبية، رافضة أن تُختزل هويتها في سرديات الاحتلال.

كاميرتها لا تبحث عن الحياد أكثر من بحثها عن الحقيقة التي تنحاز للإنسان في وجه الجدران والأسلاك والدمار.

من “زيارة” إلى إدمون عمران المليح: وفاء لذاكرة مشتركة

بعد فيلم “زيارة” الذي تناول مسلمين مغاربة حاموا عن الذاكرة والمقابر اليهودية، اتجهت سيمون بيتون إلى إنجاز وثائقي عن إدمون عمران المليح، الأديب والسياسي المغربي المناهض للصهيونية.

وجاء الفيلم في زمن الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان سنة 2024، فحمل بعدًا إضافيًا: صوت يهودي مغربي يرفض أن يُستخدم اسمه وهويته لتبرير القمع والاحتلال.

تقول بيتون: “أردت أن أقول بصوت عالٍ: ما تقوم به إسرائيل ليس باسمنا”.

ذاكرة سينمائية في مواجهة النسيان

بهذه الاختيارات الفنية، تحوّل مسار سيمون بيتون إلى شهادة بصرية ضد النسيان، تكتبها كاميرا عربية يهودية، مغربية الهوى، إنسانية الانتماء.

وفيلم راشيل، في كل عرض جديد، يذكّر بأن الطفلة التي وقفت بوجه الجرافة، لم تمت؛ بل صارت أيقونة حية تضيء وجدان الأحرار، وتؤكد أن الفن السابع قادر على أن يكون سلاحًا للحق في وجه جبروت الاحتلال.