غزة: حين تتحول الطفولة إلى إعاقة أبدية

- Advertisement -

علاء البكري

منذ سابع أكتوبر 2023، توقفت براءة آلاف الأطفال في غزة عند لحظة الانفجار. أكثر من واحد وعشرين ألف طفل خرجوا من الحرب بإعاقات دائمة، فيما أصيب نحو أربعين ألفًا بجراح غيّرت حياتهم إلى الأبد.

هذه الأرقام وحدها تروي حكاية الطفولة التي سُرقت، والأحلام التي أُطفئت قبل حتى أن تفكر في أن تتحقق.

صمت لا يسمع النداء

أوضحت اللجنة الأممية لحقوق ذوي الإعاقة أن كثيرين من ضعاف السمع أو البصر لم تصلهم أوامر الإخلاء. الصمت كان سورًا يحاصرهم، والعتمة حجبت عنهم طريق النجاة.

في رفح، أم صماء رحلت مع أطفالها، لم تسمع صفارات الإنذار ولا همسات التحذير. رحيلها جسّد قسوة الحرب حين تداهم أكثر الناس هشاشة.

نزوح بلا كرامة

وفي شهادات اللجنة، مشاهد تقطع القلب: رجال ونساء يزحفون على الرمل المبلل بالدموع والوحل، يحاولون النجاة بأجساد أرهقها العجز. لا عكازات ولا كراسٍ متحركة ولا من يأخذ بأيديهم.

هذا، ولم يكن النزوح في غزة فرارًا من الموت فقط، وإنما كان عبورًا مذلاً في رحلة فقدت فيها الكرامة أولى خطواتها.

المساعدات المحاصَرة

المعاناة لم تتوقف عند النزوح. القيود على دخول المساعدات جعلت حياة ذوي الإعاقات أكثر قسوة. الغذاء والماء والدواء لم تعد في المتناول، بل محصورة في أربع نقاط توزيع فقط، بعدما كانت الأمم المتحدة تدير نحو أربع مئة نقطة.

كيف يصل طفل مقعد أو رجل أعمى إلى مكان بعيد وسط الركام؟ السؤال وحده يكشف مأساة أخرى لا تقل فداحة عن الحرب نفسها.

أنقاض تبتلع أدوات الحياة

لم تُدفن البيوت وحدها تحت القصف، بل دُفنت معها أدوات الحياة. أكثر من ثلاثة وثمانين في المئة من ذوي الإعاقات فقدوا كراسيهم المتحركة وعكازاتهم وأطرافهم الصناعية.

أما استبدالها فصار حلمًا بعيدًا، بعدما اعتُبرت هذه المعدات “مزدوجة الاستخدام” ومنعت من العبور. وهكذا حُرم الآلاف من مجرد حق الحركة، وأصبح الجسد سجنًا جديدًا يضاعف وجع الحصار.

نداء من بين الركام

تقول اللجنة إن مئة وسبعة وخمسين ألف فلسطيني أصيبوا منذ اندلاع الحرب، ربعهم مهددون بإعاقات ستلازمهم طوال حياتهم. وبين هؤلاء أطفال لم يعرفوا من الطفولة إلا الألم.

ومن وسط الركام يعلو النداء: مساعدات عاجلة تحفظ حياة ذوي الإعاقات، أنظمة إخلاء تحترم ضعفهم، وعودة آمنة إلى بيوت قد لا تعود كما كانت. وحق في حياة تحفظ كرامة من بقي حيًا.