ليست الدورة الشهرية، ذلك الحدث البيولوجي المتكرر في حياة المرأة، مجرد مؤشر على انتظام الجهاز التناسلي أو توازن الهرمونات، بل هي صفحة من كتاب الجسد الإنساني تكتب كل شهر بلغة الدم والتجدد.
ومع أن الطب يراها عملية طبيعية، فإن الثقافات عبر التاريخ حمّلتها دلالات متباينة، تراوحت بين التقديس والوصم.
تقديس في ثقافات، ووصم في أخرى
في مجتمعات الأمريكيين الأصليين، كانت الدورة الشهرية علامة على الحكمة والقوة الكامنة في المرأة، مرحلة يُنظر إليها بوصفها طقسًا من طقوس الطبيعة.
وفي البرازيل، لم تُحرم النساء من المشاركة في تفاصيل الحياة اليومية، حتى في الصيد، إذ لم يُنظر إلى الدورة باعتبارها عائقًا أو ضعفًا.
أما في بعض مناطق اليابان، فقد حظيت المرأة بتقدير واحترام خلال أيامها الشهرية، وظلت تُعامل باعتبارها كائنًا فاعلًا لا يتوقف عن الحياة.
لكن الوجه الآخر من الحكاية يتجلى في مجتمعات أخرى، خصوصًا في بعض المناطق العربية، حيث ارتبطت الدورة الشهرية بمفاهيم دينية واجتماعية خاطئة رأت في المرأة “نجاسة”، وربطتها بسوء الطالع.
وهكذا تحولت لحظة طبيعية في جسد المرأة إلى سبب للوصم والإقصاء، وحرمت كثيرات من المشاركة في أنشطة حياتية عادية.
الحقيقة العلمية المغيبة
بعيدًا عن هذه المعتقدات، يكشف الطب أن الدم الذي يرافق الدورة الشهرية ليس “سمًا” أو مادة فاسدة، بل هو دم طبيعي ناتج عن تحلل بطانة الرحم استعدادًا لتجددها.
وحتى في حال انقطاع الدورة أو اختلاف طبيعتها، فإن ذلك لا يمثل خطرًا مباشرًا متى التزمت المرأة بعادات صحية سليمة.
وتعد النظافة الشخصية في هذه الفترة ضرورية جدا للحفاظ على صحة الجهاز التناسلي ومنع الالتهابات.
الأعراض بين الجسد والنفس
وخلال هذه الأيام، تتأثر المرأة بتقلبات هرمونية قد تُظهر نفسها في صورة آلام أسفل البطن والظهر، أو توتر نفسي، أو تغير في المزاج والطاقة.
وتختلف هذه الأعراض من امرأة إلى أخرى، ولا ينبغي أن تُعامل باعتبارها حالة غير طبيعية أو مدعاة للوصم.
نحو نظرة أكثر إنسانية
ولم تكن الدورة الشهرية يوما عيبًا، ولا لعنة، ولا انقطاعًا عن الحياة. هي إيقاع جسدي طبيعي يجب أن يُفهم بعيدًا عن الأساطير والمغالطات.
تعليم الفتيات احترام أجسادهن، وتعزيز النظرة الإيجابية، وتوفير الدعم الاجتماعي، كلها خطوات تمنح المرأة القدرة على التعامل مع هذه المرحلة براحة وكرامة.



