ولدت أسماء المرابط في الستينيات بالرباط، ونشأت في كنف عائلةٍ مثقفة وواعية صاغت في روحها حبّ العلم والخدمة الإنسانية. خطت أولى خطواتها في مجال الطب، متخصصةً في تشخيص أمراض سرطان الدم، لتصبح طبيبةً تنهل من العلم والرحمة معًا. وامتدت مسيرتها التطوعية إلى مستشفيات عامة في إسبانيا وأمريكا اللاتينية، حيث خدمت المجتمعات الأكثر حاجة على مدى ثماني سنوات، تاركةً بصمةً إنسانية لا تمحى.
الفكر الإصلاحي: رؤية وسطية للإسلام والمرأة
انكبت أسماء المرابط على البحث والتأمل، لتنسج رؤيةً إصلاحيةً للنصوص الدينية تُبرز مكانة المرأة وقيمتها في المجتمع. تأثرت بالباحثة الراحلة فاطمة المرنيسي، واستلهمت القوة والعطاء من السيدة عائشة أم المؤمنين، لتصبح مرآةً لروح المرأة المسلمة في علاقتها بالدين والحياة، مؤمنةً بأن التحليل العميق للنصوص يجعل من الإسلام رسالة مساواة وعدالة.
رئاسة مركز الدراسات النسائية: الفكر في خدمة الواقع
ترأست أسماء المرابط مركزَ الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام بالرابطة المحمدية للعلماء، مُسخِّرةً الفكر لقراءةٍ مقاصدية للنصوص الدينية، ورائدةً في ترسيخ العدالة بين الجنسين. أثارت أعمالها جدلًا واسعًا، وبسطت رؤيةً جديدة للمرأة تسعى لإظهار كفاءتها وقدرتها على القيادة والإبداع في المجتمع الإسلامي، مضيئةً الطريق أمام جيلٍ جديد من الباحثين والمفكرين.
إنتاج فكري غزير: مقالات وكتب تحاكي المستقبل
صاغت أسماء المرابط أفكارَها في مؤلفاتٍ ومقالاتٍ غنية نُشرت بالعربية والفرنسية، طرحت فيها أسئلةً جريئة حول القوامة والميراث وتحقيق المساواة. ومن أبرز أعمالها: “عائشة، زوجة النبي أو الإسلام المؤنث”، و”القرآن والنساء: قراءة للتحرر”، و”النساء والرجال في القرآن: أي مساواة؟”، و”الإسلام والمرأة: أسئلة غاضبة”. وقد لاقت هذه الأعمال صدىً واسعًا في العالم العربي والدولي، مؤكدةً مكانتها كفكرٍ تقدمي متجدد.
عضويات ومناصب دولية: أثر يمتد خارج الحدود
علاوةً على الكتابة والبحث، امتد تأثيرها إلى المؤتمرات الدولية وإدارة المجموعات البحثية العالمية؛ إذ ترأست المجموعة الدولية للدراسات والتفكير في النساء ببرشلونة، وكانت عضوًا في اللجنة العلمية لمعهد بنزكري لحقوق الإنسان بالمغرب. كما عُيِّنت عضوًا مؤسِّسًا لكرسي فاطمة المرنيسي بجامعة محمد الخامس، وعضوًا في المكتب الأكاديمي للشبكة الدولية «مساواة»، وفي المجلس الإداري لمؤسسة الثقافات الثلاث بمدينة إشبيلية الإسبانية.
عضو بأكاديمية المملكة المغربية: اعتراف بالريادة الفكرية
تُوّج مسار أسماء المرابط في السنوات الأخيرة باعترافٍ وطني رفيع، حين نُصِّبت عضوًا مقيمًا بأكاديمية المملكة المغربية—أعلى هيئة فكرية بالمملكة—في حفلٍ رسمي نُظم في ماي 2024. وخلال هذا الحفل، وُشِّحت بالشارة الرسمية للأكاديمية إلى جانب شخصياتٍ فكرية بارزة، مؤكدةً حضورها في قلب المؤسسة التي تعنى برفع راية الفكر والثقافة المغربية على الصعيدين الوطني والدولي. وشكّل هذا الانضمام اعترافًا بمكانتها كصوتٍ جريء ورؤيةٍ إصلاحية تحمل مشروعًا إنسانيًا منفتحًا على المستقبل.
صوت جريء في مواجهة التقليد
برزت أسماء المرابط كرمزٍ للتقدمية الفكرية، متصديةً للتفسيرات الذكورية والقيود التقليدية، ومعترفةً بتحديات الواقع دون أن تتنازل عن موقفها الإصلاحي. دافعت عن حقّ المرأة في الميراث، وأبدت آراءً جريئة في الحجاب وتنظيم الصلوات والتربية الدينية، مؤكدةً أن احترام النصوص الدينية يجب أن ينسجم مع قيم المساواة والعدل.
إرث مستمر: تأثير يمتد إلى الأجيال
اليوم، تواصل أسماء المرابط مسيرتها الفكرية والبحثية، ناشرةً صوتًا متوقدًا للمرأة المسلمة، ومعلنةً أن الإصلاح والتجديد الفكري هما السبيل لتحقيق مجتمعٍ عادلٍ ومتوازن. إن تركتها الفكرية تُضيء الطريق أمام جيلٍ جديد من الباحثين والمفكرين في العالم الإسلامي، وتُثبت أن قوّة المرأة لا تُقاس بالحدود التقليدية، بل بالعلم والمعرفة والقدرة على الإصلاح.
علاء البكري



