في عالم ريادة الأعمال، حيث تتقاطع الأحلام مع الواقع، تقف المرأةُ المقاولة على مفترق طرقٍ معقّد، تجمع بين الطموح والمسؤولية، وبين الرغبة في التميّز وحمل أعباءٍ متعددة. فهي ليست مجرد صاحبة مشروع، بل مديرة وأمّ ومستشارة ومرشدة أحيانًا في محيطها الاجتماعي. ومع هذه الأدوار تتراكم ضغوط نفسية واجتماعية تؤثر على صحتها واستمرارية مشروعها، وتطرح أسئلة حول قدرة البيئة المحيطة على دعمها وتمكينها.
ضغوط نفسية واجتماعية متعددة
تواجه المرأةُ المقاولة ضغوطًا مضاعفة مقارنةً بالرجال. تُظهر دراسات حديثة أن النساء أكثر عرضةً للقلق والتوتر بسبب ازدواجية الأدوار. فالمرأة المغربية، على سبيل المثال، توازن بين إدارة مشروعها الخاص والمسؤوليات الأسرية والضغط الاجتماعي المرتبط بالصور النمطية. وتشير أبحاث منشورة على منصات أكاديمية إلى ارتفاع مستويات التوتر لدى المقاولات، خاصة خلال الأزمات الاقتصادية كجائحة كوفيد-19، بما أثّر على الإنتاجية والرضا الشخصي.
أثر الضغوط على استمرارية المقاولة وصحة صاحبتها
لا تُعد هذه التحديات مجرد مشاعر عابرة، بل تنعكس مباشرة على مسار المشروع. فقد بيّنت أبحاث علمية أن التعرض المستمر للضغط يُضعف اتخاذ القرارات الاستراتيجية وإدارة المخاطر، ويحدّ من التفكير الإبداعي والتخطيط طويل الأمد، ما يرفع احتمالات التعثر المالي ويدفع إلى حلقة مفرغة من التوتر والإحباط.
استراتيجيات المواجهة والمرونة النفسية
رغم حدة الضغوط، تُظهر كثير من النساء المقاولات قدرة كبيرة على التكيّف والصمود. وتُعد استراتيجيات مثل التنظيم الذاتي، تحديد الأولويات، طلب الدعم الاجتماعي، وتعزيز المرونة النفسية أدواتٍ فعّالة لتخفيف آثار الضغط. فالمرأة التي تُحسن إدارة الوقت والموارد وتستثمر شبكات الدعم—سواء عبر مجموعات مهنية أو منصات نسائية—تغدو أكثر قدرة على مواجهة التحديات وتحقيق أهداف مشروعها.
شبكات الدعم: تبادل خبرات ومساحات آمنة
يوفّر الانخراط في شبكاتٍ من المقاولات أو جمعيات مهنية فضاءاتٍ آمنة لتبادل الخبرات ومناقشة الصعوبات واكتساب مهارات جديدة. ويُسهم هذا الانخراط في تعزيز الثقة بالنفس والاستقرار المهني، ويقلّل من العزلة النفسية والاجتماعية التي قد ترافق المسار المقاولاتي.
دور المجتمع المدني في الدعم والتوجيه
يلعب المجتمع المدني دورًا محوريًا في تمتين المشاريع النسائية عبر برامج تدريبية وورش تواصل واستشارات مهنية ونفسية. ولا تقتصر هذه المبادرات على نقل المهارات التقنية، بل تبني بيئة حاضنة تُشجّع على الابتكار وتُخفّف من العزلة، وتدعم الاستدامة المالية للمشاريع عبر شراكات وتمويلات مكمِّلة.
خلاصة: من الضغط إلى فرصة للنمو
إن التحديات النفسية والاجتماعية التي تواجه المرأة المقاولة عوامل جوهرية تُحدّد نجاح المشروع واستمراريته. ومن خلال دمج الدعم النفسي والاجتماعي، وتبنّي استراتيجيات مواجهة فعّالة، وبناء شبكات تواصل قوية، يمكن تحويل الضغط إلى رافعة للابتكار والنمو، وفتح آفاقٍ أوسع لريادةٍ نسائية مستدامة.
علاء البكري



