في هذا العام، يحتفل ماريو، السباك الإيطالي الأشهر في عالم ألعاب الفيديو، ببلوغه الأربعين، وهو العمر ذاته لهواة جمع كيكاي، الياباني الذي كرّس حياته لجمع ما بين عشرين وثلاثين ألف قطعة مرتبطة بهذه الشخصية الأسطورية. أربعون عامًا مرّت منذ أن خطا ماريو أولى خطواته على شاشة “نينتندو”، ليصبح رمزًا ثقافيًا يتجاوز حدود اللعبة.
من “جامبمان” إلى بطل الأجيال
ظهر ماريو أول مرة عام 1981 في لعبة “دانكي كونغ” باسم “جامبمان”، قبل أن يحظى باسمه الخالد عام 1983. لكن الانطلاقة الحقيقية كانت في الثالث عشر من شتنبر 1985 مع إصدار “سوبر ماريو براذرز”، التي أحدثت ثورة في تصميم الألعاب عبر التطور الأفقي للشخصية في عوالم ملوّنة تنبض بالحياة. وبيع من هذه اللعبة أكثر من أربعين مليون نسخة، لتصبح مرجعًا في تاريخ الصناعة الرقمية.
تصميم وقيود… صنعت أسطورة
اختير السروال الأزرق والقبعة الحمراء لماريو بدافع الضرورة التقنية، لتفادي تعقيدات رسم الشعر أو التفاصيل الدقيقة التي تتجاوز قدرة وحدات البكسل آنذاك. غير أن هذه البساطة تحوّلت إلى عنصر أيقوني ألهم فنانين حول العالم، مثل الفنان الفرنسي “إن ذي ووب” الذي جعل من ماريو محورًا لأعمال فسيفسائية تنتشر في شوارع ليون وعواصم أخرى، تمزج بين الشخصية وأبطال ثقافة البوب مثل غاندالف ودارث فادر.
ماريو: الحنين والطمأنينة
لم يعد ماريو مجرد بطل يقفز فوق الفجوات ويقاتل باوزر لإنقاذ الأميرة؛ فقد تحول مع الزمن إلى شخصية تبث الطمأنينة، كما يصفه المحلل أليكسيس بروس: “هو رجل عادي، قريب منا، لم يتغير كثيرًا رغم مرور العقود”. هذه العادية هي سر جاذبيته، إذ يجد فيه اللاعبون انعكاسًا لحياتهم اليومية، بلا قوى خارقة، لكن بقدرة على الصمود والتطور.
حضور يتجدد عبر الأجيال
ورغم المنافسة الشرسة من ألعاب مثل “فورتنايت” و”روبلوكس”، يستفيد ماريو من حنين الآباء الذين نشأوا معه، ويواصلون شراء ألعابه ومشاركتها مع أبنائهم. إدراكًا لهذه الدينامية، أطلقت “نينتندو” خطوطًا من الملابس والإكسسوارات للأطفال، ووسّعت حضوره إلى مدن الملاهي في اليابان والولايات المتحدة. وعلى الشاشة الكبيرة، عزّز فيلم “سوبر ماريو براذرز” عام 2023 مكانته بتحقيق عائدات تجاوزت مليارًا وثلاثمائة مليون دولار، مع إعلان جزء ثانٍ مرتقب عام 2026.
نحو مستقبل جديد
في عالم يشهد تحوّلات اجتماعية وثقافية، لم يعد ماريو مجرد بطل ينقذ الأميرة من قلعتها، بل صار شخصية تتكيّف مع تطور الأدوار النسائية في ألعاب “نينتندو” التي منحت بطلاتها مساحات مستقلة. ومع انتظار صدور جزء جديد ثلاثي الأبعاد بعد “أوديسي” سنة 2017، يظل السؤال مفتوحًا: هل ينجح السباك الأربعيني في إرساء معلم جديد في تاريخ الألعاب؟
ماريو: ذاكرة لا تشيخ
أربعون عامًا من القفز والجري، من المغامرات الثنائية الأبعاد إلى العوالم الغامرة ثلاثية الأبعاد، من الشاشة الصغيرة إلى السينما ومدن الملاهي… وما يزال ماريو حاضرًا كرمز يتجاوز الأجيال، يذكّرنا بأن اللعب—ناهيك عن كونه ترفًا عابرًا—لغة مشتركة تربط البشر عبر الزمن.
علاء البكري



