لم تعد فجوة الأجور بين الجنسين قضية اجتماعية فحسب، فهي اليوم تمثل تحديًا يتقاطع مع ثورة الذكاء الاصطناعي. وفي هذا الشأن، أظهرت دراسة صادرة عن شركة “إيه آي نيغما” الاستشارية أنّ هذه التكنولوجيا قد تفتح الباب أمام اتساع الهوة في مجالات وازنة مثل البناء والتصنيع والطاقة. وحتى القطاعات التي يظنها البعض أكثر ليونة، كالخدمات اللوجستية والمرافق ورأس المال الخاص والفنون الإبداعية، يزحف إليها شبح التفاوت بهدوء.
قطاعات تمنح فسحة أمل
الصورة لا تكتمل من دون بريق أمل. البحث ذاته يشير إلى أنّ ميادين أخرى قد تشهد تضييقًا للفجوة بفضل الذكاء الاصطناعي، منها الخدمات القانونية والقطاع العام والصحافة والتسويق. هنا يتحول الابتكار إلى قوة قادرة على إرساء نوع من التوازن، ويصبح أداة للمساواة بدل أن يكون مطية للتمييز.
اختلال في نسب الاستخدام
يبيّن آرني موسلمان، الرئيس التنفيذي للشركة، أنّ الرجال أكثر إقبالًا بنسبة عشرين بالمئة على أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل “تشات جي بي تي”. وتفتح هذه النسبة وحدها النقاش حول عدالة توزيع فرص الاستفادة من التقنية، وحول ما إذا كانت التكنولوجيا تميل بفعل أنماط الاستخدام إلى طرف دون آخر. وفي غياب سياسات حازمة، يتحوّل الذكاء الاصطناعي من محرّك للإبداع إلى حاجز جديد أمام النساء.
صمت الموظفين وخطر الانقسام
وتزداد الصورة تعقيدًا حين نعلم أنّ 42% من العاملين في المكاتب باتوا يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي في أعمالهم اليومية، بينما يفضّل ثلثهم إخفاء الأمر عن إداراتهم. هذا الصمت ينذر بترسيخ فجوة جديدة، إذ يبقى من يجيد التعامل مع التقنية في موقع متقدّم، فيما يظل الآخرون على الهامش، فتتسع دوامة التفاوت.
مسؤولية المؤسسات في مواجهة التحدي
الرهان إذن لا يكمن في التقنية نفسها، بل في كيفية إدارتها داخل بيئات العمل. الشركات مدعوة إلى صياغة سياسات واضحة تمنح الموظفين حرية استخدام هذه الأدوات في إطار من الشفافية والتكافؤ. ويهدد غياب هذه الرؤية توازن الأجور، كما يعمّق انقسامًا بنيويًا بين الجنسين يمس العدالة الاجتماعية برمّتها.
بين الخطر والفرصة
ويبقى الذكاء الاصطناعي، في النهاية، مرآة تعكس اختيارات المجتمعات. يمكن أن يتحوّل إلى سيف يقطع خيوط المساواة، أو إلى جسر يربط الطموحات بالعدالة. كل ذلك رهين بوعي الإنسان الذي يوجّه التقنية، وبإرادة المؤسسات في تحويلها إلى رافعة للكرامة لا أداة للتهميش.
علاء البكري



