جيل زد 212: نبض الشارع المغربي وصوت مستقبله

- Advertisement -

 في الرباط والدار البيضاء، وفي أكادير ووجدة، ارتفعت أصوات شباب جيل “زد” أو جيل الثورة الرقمية، متشابكة مع صرير الرصيف وإيقاع الحياة. خطواتهم صارت صرخة الحاضر وعزف المستقبل، تعبيرًا عن حقهم في حياة كريمة، وتعليم يفتح الآفاق، وعمل يمنح الكرامة، وصحة تحفظ الإنسان. تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى جسور تحمل صوتهم إلى كل بيت، وكل مؤسسة، وكل زاوية من الوطن، مستحضرة روح حركة 20 فبراير، التي اجتاحت الشوارع قبل أكثر من عقد حاملة شعارات العدالة والمساواة والتغيير. ومن بين المشاركين، عبّر عبد المنعم الشاوي، طالب جامعي، عن شعور الشباب بالخيبة والإصرار معًا قائلاً: “فقدنا الثقة في الحكومة وفي جميع الأحزاب. نريد وجوهًا صادقة، ولن نتنازل عن مطالبنا بتحسين الصحة والتعليم والشغل ومحاربة المفسدين.”

أكادير تبكي وتدعو للتغيير

وفجرت مأساة وفاة ثماني نساء حوامل في مستشفى أكادير موجة عارمة من الحزن والغضب، إذ كان الخبر مرآة لقسوة الإهمال، فتحرك الشباب في الشوارع، وعينهم تعكس القلق من غياب العدالة، وأيديهم ترفع لافتات تطالب بالحق في حياة صحية وآمنة. لقد جمع المشهد بين دموع الحزن وعزيمة التغيير، مؤكدًا أن نبض الكرامة حاضر مهما بلغت الصعاب. وفي هذا الشأن، قالت سناء القويطي، صحفية شهدت الاحتجاجات: “دخلت احتجاجات حركة ‘جيل زد 212’ أسبوعها الثاني، في تعبير واضح عن حالة الغضب والإحباط من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.”

المدن شاهدة على الإرادة

من طنجة إلى الرباط، ومن الدار البيضاء إلى مراكش وأكادير ووجدة، تزينت الشوارع بهتافات الشباب، وجمع الحضور بين المطالبة بالمساواة والبحث عن أفق مستقبلي واضح؛ فكانت اللافتات لوحاتٍ للحلم، والهتافات موسيقى للإرادة. وفي كل ميدان من هاته المدن، كان الوجود الجماعي ترجمةً لطموحٍ مشترك نحو أفقٍ واضحٍ ومجتمعٍ يليق بكرامة أبنائه.

تخريب يجرح الذاكرة

وغير بعيد عن زخم الحشود، تسلّل الغضب في بعض المدن إلى مشاهد لم يكن الوطن ينتظرها، حيث تحوّلت لحظات المطالبة السلمية إلى لقطات من الفوضى، بعدما اندسّت أيادٍ عابثة وسط الجموع، فخلفت خسائر مادية كبيرة. أُحرقت سيارات، وتضررت مؤسسات وممتلكات خاصة، وتعرضت عشرات المرافق العامة للتخريب في العديد من المدن. تكبّدت الدولة خسائر مادية كبيرة في إصلاح ما تهدّم، وخسر بعض الشباب مستقبلهم بعد توقيفهم، ومنهم من ودع الحياة في خضم الفوضى، فغدا المشهد موجعًا من الجانبين؛ وطنٌ يتألّم وشبابٌ يتعثّر في الطريق نحو التغيير. كانت تلك المشاهد غريبة عن روح الحركة وأهدافها، وأثارت أسفًا عميقًا لدى كثير من المشاركين أنفسهم الذين أدانوا ما حدث واعتبروا أن الغضب لا يبرر العبث. وفي هذا الصدد، عبّر كثير من شباب جيل “زد” عن رفضهم للعنف، مؤكدين أن صوت الكرامة لا يحتاج إلى حجر، وأن التغيير يولد من السلمية والاحترام المتبادل بين المواطن والدولة.

أمل لا يغيب

بين صخب الشوارع وصدى الهتافات، يظل جيل “زد” صفحة مفتوحة في كتاب الوطن، يخطّ عليها الشباب بأيديهم ملامح الغد الذي يحلمون به. قد تشتد العواصف أحيانًا، وقد تتساقط أوراق الحلم تحت وطأة الغضب، غير أن جذوة الأمل ما تزال تتقد في صدورهم، تُنير الطريق نحو مغربٍ يسمع أبناءه ويمنحهم مكانًا يليق بأحلامهم. جيل “زد” لا يطالب بالمستحيل بقدرما يطالب بتعليمٍ يفتح الآفاق، وشغلٍ يصون الكرامة، وصحةٍ تحفظ الإنسان وتعيد للتطبيب معناه الإنساني النبيل.

علاء البكري