لم يعد الزواج كما كان في العقود الماضية، مجرد خطوة تقليدية تأتي في سن مبكرة استجابةً لأعراف المجتمع وضغوطه، بل أصبح اليوم خيارًا شخصيًا يتأثر بعوامل متعددة مثل التعليم، الطموح، الاستقلالية المالية والنضج النفسي. وفي الوقت الذي يشهد فيه العالم تحولات جذرية في النظرة إلى مؤسسة الزواج، يعيش المغرب بدوره تغيرات لافتة في هذا المجال، تعكس تحوّلًا في القيم الاجتماعية والديموغرافية.
تراجع سن الزواج في المغرب: مفارقة مع السياق العالمي
في خطوة تعد مفاجئة مقارنة مع التوجهات العالمية نحو تأخير الزواج، كشفت آخر الإحصائيات الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط أن السن المتوسط للزواج الأول لدى النساء في المغرب تراجع من 25.7 سنة في 2014 إلى 24.6 سنة في 2024. ويأتي هذا التراجع في وقت تعرف فيه معظم المجتمعات، خاصة الغربية، ارتفاعًا متواصلًا في سن الزواج بسبب تغير الأولويات لدى الشباب. لكن هذا التغير في التوقيت لا يعني بالضرورة أن الزواج أصبح أكثر إلحاحًا، بل يعكس – بحسب خبراء – تحوّلات أعمق في شكل العلاقات الأسرية وقرارات الإنجاب، خاصة في ظل انخفاض معدلات الخصوبة وانتشار وسائل منع الحمل، مما أعاد صياغة مفاهيم الأمومة والأبوة.
التعليم والطموح يعيدان رسم الأولويات
تلعب العوامل الاقتصادية والاجتماعية دورًا كبيرًا في إعادة تشكيل نظرة الأجيال الجديدة للزواج. فاليوم، بات عدد متزايد من الشباب في المغرب كما في الخارج، يفضلون التركيز على تحقيق الذات، إكمال التعليم، والاستقلال المالي قبل التفكير في تأسيس أسرة. هذا التحول جعل من الزواج قرارًا مؤجلاً لدى فئة واسعة من الشباب، يرتبط بالاستعداد العاطفي والاجتماعي، وليس بمجرد بلوغ سن معينة.
ارتفاع معدل العزوبية في المغرب
من أبرز الظواهر التي تؤكد هذا التغير، ارتفاع معدل العزوبية الدائمة في المغرب إلى 9.4% في عام 2024، مقارنة بـ5.9% في 2014، وفق معطيات المندوبية السامية للتخطيط. وتُسجّل هذه الظاهرة بشكل أوضح بين النساء (11.1%) مقارنة بالرجال (7.6%)، وتبدو أكثر حضورًا في المدن منها في القرى. ويقصد بالعزوبية الدائمة أن يبلغ الشخص سن 55 عامًا دون أن يسبق له الزواج، وهو ما يعكس وجود فئة لم تعد ترى في الزواج ضرورة اجتماعية أو أولوية في مسار الحياة.
دراسات دولية تدعم تأخير فكرة الزواج
على المستوى الدولي، تؤكد دراسات حديثة أن الزواج في سن مبكرة يرتبط غالبًا بمعدلات طلاق مرتفعة؛ إذ خلصت دراسة نُشرت عام 2015 إلى أن العمر المثالي للزواج إذا كان الهدف هو الاستقرار وتفادي الانفصال، يتركز في حدود 26 عامًا. كما أظهرت بيانات مكتب الإحصاء الأمريكي لعام 2018 أن متوسط سن الزواج في الولايات المتحدة ارتفع إلى ما يقارب 30 عامًا للرجال و28 عامًا للنساء، مقابل نسبة كانت أعلى من حيث الزواج المبكر قبل أربعة عقود.
بين العرف والاختيار الفردي
هذه التحولات، سواء في المغرب أو خارجه، تُظهر أن مؤسسة الزواج لم تعد مرتبطة فقط بالعادات، بل باتت خاضعة لحسابات شخصية ومجتمعية جديدة. ومع تغير التطلعات وتبدل الظروف، يبدو أن الزواج لم يعد “ضرورة” كما كان ينظر إليه في السابق، بل خيارًا يخضع لتوقيت دقيق ونضج كاف. فالمجتمع اليوم بات أكثر تقبلًا لفكرة التأخير، بل وحتى لعدم الزواج، وهو ما يفتح نقاشًا واسعًا حول مستقبل الأسرة والروابط الاجتماعية في عالم سريع التحول.
إيمان البدري



