المرأة الشفشاونية: قلب الصناعة اليدوية وروح السياحة الداخلية

- Advertisement -

لا مهرجان هذا الأسبوع في شفشاون، غير أنّ الأزقة وحدها كانت كافية لتملأ اليوم بالموسيقى. الجدران الزرقاء تنطق بالسكينة، والمقاهي تتنفس حكايات الغرباء، وتُطرّز أنامل نساء شفشاون تفاصيل هذه الحكايات بخيوطٍ من تراث وحُبّ. في هذه المدينة، يتحوّل الصمت إلى احتفال بالحياة. في غياب الفعاليات الرسمية، تتجلى شفشاون في أبهى صورها، كعروس تستمد سحرها من ذاتها ومن أيادي نسائها. كل حجرٍ في جدرانها يحتفظ بهمسات العابرين، وكل نافذة مطلية بالأزرق تحمل سرّ المسافات البعيدة.

المرأة الشفشاونية: صانعة الهوية الاقتصادية والجمالية

المرأة في شفشاون تُنسجُ الهوية بنفسها. من الخياطة والتطريز إلى الصناعة اليدوية وعرض التراث، تُقدّم حضورًا اقتصاديًا وجماليًا يرافق الزائر منذ أولى لحظاته في الأزقة. تُلفت الأنفاس بنسائم الجلباب الصوفي، بالألوان النابضة، وبالطرز التقليدي الذي تختاره المرأة وتُظهر به ذوقها ومواهبها. وتتيح الجمعيات المحلية، مثل جمعية السيدة الحرة للمواطنة وتكافؤ الفرص، تكوينات مهنية في الحِرف والتسويق وإطلاق المشاريع الصغيرة، ما يعزز الاستقلال الاقتصادي ويحوّل الأفكار إلى واقعٍ عبر ورش التشغيل الذاتي.

المرأة الشفشاونية والصناعة اليدوية والسياحة الداخلية

الصناعة التقليدية… من الخياطة إلى التعبير الجمالي

تشكل معامل الدرازة ركيزة أساسية: جلابيب، مناديل، معاطف صوفية تُحاك بأنامل الشفشاويات، مع عناية بالتفاصيل والقصّات التي تعكس تراث جبالة وشمال المغرب. تحوّلت الحرفة إلى فنٍّ يعيش في تفاصيل اليومي: الإبرة تكتب ذاكرة المدينة على القماش، واللون يعبّر عن روحها، واليد تنسج حضورها في الزمن. تتوارث النساء هذا الفن جيلاً بعد جيل، فتغدو كل قطعةٍ مرآةً لهويةٍ تفيض بالأصالة والجمال، ويزدهر معها اقتصادٌ محلي يجد في الحرفة مصدر رزقٍ، وفي الجمال مشروعَ حياة.

المرأة والشراكة مع السياحة الداخلية

في شفشاون، تستقبل المرأة الزوار في بيوت الضيافة والمنازل التقليدية، وتمنحهم دفءَ الانتماء. تتحضّر أجواء الضيافة بذائقة شفشاونية أصيلة: مطبخٌ محليّ بأطباق تتنفس عبق الجبال والنعناع البري. في الأسواق والأزقة، تُعرض منتجات يدوية وأزياء تقليدية زاهية، فيحمل السائح قطعةً من روح المدينة، ويترك أثرًا اقتصاديًا مباشرًا يُعين الأسر ويُنعش الحياة المحلية. كما تمنح المبادرات والمراكز التابعة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية الحِرفيات مهارات تقنية وتجارية للولوج إلى السوق بثقة، وتصميم مشاريع صغيرة تُعيد إليهن القدرة على الإبداع والاعتبار.

المرأة الشفشاونية والصناعة اليدوية والسياحة الداخلية

الحضرة الشفشاونية… الإيقاع الذي يحفظ الذاكرة

تشارك نساء شفشاون في أنشطة موسيقية وتراثية تضفي على السياحة بعدًا روحانيًا. وفي أمسيات الحضرة الشفشاونية، تتعالى الأصوات كأنها دعاءٌ من الأزرق إلى السماء، شاهدةً على قدرة المرأة على الجمع بين الجمال والتراث والإبداع، بين الإيقاع والذاكرة، وبين ما يُرى وما يُحسّ.

خاتمة: زرقةٌ تُحاك بأنامل نساء

روحُ شفشاون تُكتب بأنامل نسائها؛ خيوطٌ تحيك الأصالة، وألوانٌ تُضيء الهوية، وحِرفٌ تُنبت الكرامة من صبر اليد وصدق القلب. بفضلهنّ، تغدو المدينةُ أكثر من وجهةٍ سياحية: وطنٌ نابضٌ بالجمال، وحكايةٌ تُروى على مهل، بلغةٍ من زرقةٍ وسلام.

شفشاون _ علاء البكري