في عمق تلال تافوغالت، تفتح الحفريات الأثرية أبوابًا على زمنٍ كانت فيه المرأة قلب الجماعة ونبضها الإنساني. تكشف دراسات حديثة عن معطيات تختلف كثيرًا عن الفهوم السابقة لموقع المرأة في مغرب ما قبل التاريخ، لتظهر حضورها فاعلًا في بناء المجتمعات الأولى، ومركزًا للرعاية والاستقرار والتجدد.
من مغارة الحمام إلى ضوء المختبر
من مغارة الحمام بتافوغالت خرجت شواهد تقف عند تخوم خمسة عشر ألف سنة؛ حيث كُشف عن هياكل لنساءٍ عشن وأُكرمن بالدفن والعناية في واحدة من أقدم المقابر المعروفة بإفريقيا. ويشير عالم الآثار عبد الجليل بوزوكار، مدير المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، إلى أن قراءات جينية حديثة تُلهم فهمًا جديدًا لدور النساء في العصور الحجرية، إذ تُظهر تحرّكاتٍ بين المجموعات أسهمت في نشر الابتكار وتبادل المعارف—وما ينعكس على فهمنا للمجتمعات القديمة بالمغرب.
امرأة مُقعَدة… ورعاية تروي حكاية الإنسانية
أبرزت الحفريات هيكلًا لامرأة شابة (20–30 سنة) عانت صعوبات حركية قاربت الإعاقة؛ ومع ذلك بلغت عمرًا متقدمًا قياسًا بزمن قاسٍ، ما يدل على رعاية دائمة من جماعتها. يروي هذا الاكتشاف فجر التعاطف الإنساني، ويُظهر أن مجتمعات ما قبل التاريخ مارست تضامنًا اجتماعيًا حقيقيًا، وكانت المرأة في مركز هذا الوعي المبكر.
دفن مهيب لامرأة شابة
عُثر في المغارة نفسها على هيكل فتاة لم تتجاوز السابعة عشرة، دُفنت في وضعية الجلوس، تحفّها قرون بقريات موضوعة بعناية على الجانبين—طقسٌ جنائزيّ رمزيّ يشي بمكانة خاصة واحترامٍ واحتفاء يتجاوزان فكرة البقاء إلى عتبات التقديس.
من سلا إلى تافوغالت… أثر لا يشيخ
تعود الذاكرة إلى سبعينيات القرن الماضي حين كُشف بسلا عن جمجمة امرأة مسنّة عانت عجزًا حركيًا، لكنها عاشت طويلًا بفضل رعاية محيطها—أثرٌ يُقدَّر عمره بنحو مئتي ألف سنة، وشاهدٌ على جذور إنسانية سبقت كل حضارة مكتوبة.
المرأة… محور الجماعة الأولى
في ضوء هذه الاكتشافات تتبدّى المرأة في مغرب ما قبل التاريخ رمزًا للحياة والبقاء، ومحورًا للتعاون والاستقرار، وشريكًا أصيلًا في بناء الجماعة. لقد دلّت مغارة الحمام على أن الاستقرار الاجتماعي سبق تدجين الحيوان بآلاف السنين، وأن العناية بالمرأة كانت مظهرًا من مظاهر الوعي الجمعي بقيمة الحياة.
علاء البكري



