في أنابيب دقيقة، تتراقص خلايا عصبية بشرية صغيرة، كل خلية تتنفس، كل إشارة كهربائية تهمس بمستقبل جديد. هنا، في مختبر فيفي السويسرية، تتحوّل الحياة البيولوجية إلى حوسبة حقيقية. كل نبضة، كل تواصل بين خلية وأخرى، خطوة نحو معالجات تتجاوز الرقائق السيليكونية، نحو عالمٍ يصبح فيه الدماغ نفسه منصة للحوسبة. يقول فريد جوردان، مؤسس شركة FinalSpark: “نستخدم الدماغ كما هو”. بخلايا عصبية تعمل بكفاءة أعلى بنحو مليون مرة من الاصطناعية، يقترب الحلم: حوسبة تتنفس، تعالج، وتتفاعل بطاقة حية.
الخلايا الجذعية تتحول إلى دماغ
تبدأ الرحلة بخلايا جذعية تتحوّل إلى خلايا عصبية مترابطة، تتجمع لتكوّن عُضيات دماغ مصغّرة تحاكي دماغ يرقة ذبابة الفاكهة. تُوصَل بأقطاب كهربائية لمراقبة نشاطها وتحفيزها، فتصير إشاراتها بتّات رقمية (0/1) قادرة على الحوسبة البيولوجية. وفي جامعة بريستول، تساعد هذه العُضيات الروبوتات على التعرّف على حروف برايل، بما يقدّم حلولًا عملية لذوي الإعاقات البصرية. ورغم هشاشة المادة الحية، تعيش العُضيات قرابة ستة أشهر، ما يمنح الباحثين نافذة اختبار فعّالة.
العلاج والأخلاقيات
تستفيد جامعة جونز هوبكنز من هذه العُضيات في دراسة اضطرابات الدماغ مثل التوحّد وألزهايمر بحثًا عن علاجات جديدة. ورغم أنها بلا وعي أو مستقبلات ألم، يظل البعد الأخلاقي حاضرًا، مع مراعاة سلامة الخلايا وحدود التجريب.
المختبر ينبض بالحياة
ستة عشر دماغًا صغيرًا موصولًا بأنابيب؛ خطوط تتراقص على الشاشات؛ كل خلية تتحدّث بلغتها. سنوات من البحث، نبضة بعد نبضة، تكشف شيئًا جديدًا عن الدماغ البشري. ومع كل تقدّم، تتأكد حقيقة واحدة: حتى حين تتجسّد الحياة في خلايا صغيرة، فهي قادرة على إعادة تعريف الحوسبة.
علاء البكري



