عندما يحل الكاريكاتير محلّ التفاصيل الدقيقة، يُخون تراثًا بأكمله.
بقلم فوزية طالوت المكناسي
هوسٌ بالكليشيهات
كثيرًا ما وجدتُ نفسي، طوال مسيرتي المهنية كصحفية وكاتبة، أواجه محاورين متلهفين لكلماتٍ مبتذلة عن بلدي، أو ديني، أو تقاليدي. كانوا يتوقعون نقدًا سطحيًا، وخطابًا يُرضي قناعاتهم. ثم وجدتُ متعةً خبيثةً في معارضتهم—قول الحقيقة—أحيانًا بفكاهة، ودائمًا بقناعة. وطني وإيماني خطٌ أحمر بالنسبة لي. وغالبا كانت لا تُجدّد بعض الدعوات أبدًا.
كلماتٌ جارحة
تسببت تعليقات ليلى سليماني الأخيرة عن المرأة المغربية—”إنها تعرف كيف تأكل جيدًا، وتشرب جيدًا… وتنتقم”—في أكثر من مجرد إزعاج. لقد أساءت بشدة إلى النساء المغربيات، بل إلى الشعب بأكمله، لأن لكل رجل أمًا وزوجة وابنة وأختًا. عندما يدّعي الكُتّاب التحدث باسم الجميع، ينسون أنهم لا يمثلون إلا أنفسهم. هذه العبارة، التي تُقدّم على أنها مبدأ، هي في الواقع أكثر صور الكاريكاتير ازدراءً: اختزالٌ فاضحٌ لواقعٍ مُعقّدٍ وحيّ.
أمهاتنا، أعمدةٌ صامدة
أمهاتنا وجداتنا لسن عباراتٍ أدبيةً: إنهنّ أعمدةٌ حية. واجهن الصعاب بكرامة، ونقلن القيم، وربين الأجيال، ودعمن عائلاتهنّ، وساهمن في استقلال المغرب وتنميته. لولاهنّ، لما كنا هنا، جالسات في مكاتبنا، نتحرك بحرية في شوارعنا، نقود سياراتنا، أو دراجاتنا البخارية… لولاهنّ، يا سيدتي سليماني، لما كنتِ بلا شكّ الكاتبة التي أنتِ عليها اليوم.
حرية تعبير أم لامُسؤولية؟
إنّ إهانة ذاكرة ومشاعر أمةٍ لها تاريخٌ يمتدّ لاثني عشر قرنًا ليس فعلًا فكاهيًا ولا ممارسةً لحرية التعبير: إنّه انعدامٌ للمسؤولية. عندما نتحدث عن المغرب، ذاكرته، ثقافته، نسائه، فإننا نتطرق إلى الجوهر. والتفاهة، أو الرغبة في إرضاء الغرب أو فرض موقف معين، لا يمكن أن يبرر التشويه.
نساء يواكبن تنمية البلاد
لا تسعى نساء المغرب اليوم للانتقام، بل يمضين قدمًا. يبدعن، ويبتكرن، ويبادرن، ويثقفن. انتقامهن هو النجاح، وسلاحهن هو الكرامة. إذن، يبقى السؤال الجوهري: من يتحدث باسمنا؟ وهل يمكن لصوت، مهما كان مشهورًا في الخارج، أن يلتقط وحده صورة بلد، ثقافة، امرأة متنوعة؟ المغرب غني بالنساء اللواتي يجدن الكتابة والتفكير وسرد القصص والتكلم لوسائل الإعلام—دون تشويه، وخاصة دون استعلاء. كلماتهن الآن تسود، حرة ومباشرة، دون وسطاء ودون تملق للغرب. المغرب بلد عريق بتاريخيه وإنجازات نسائه ورجاله. المغربي الشريف ليس له أي عقدة بالنسبة للغرب.
الانتقام الحقيقي
انتقامنا الجماعي الحقيقي، والوحيد الذي يُحسب له حساب، هو كلمة عادلة ووفية، متجذرة في حقيقة هويتنا. كلمة ترفض أن تُترجم إلى كليشيهات. لم تحتج نساؤنا يومًا للانتقام ليكن لهن وجود. لقد تربينا على النبل والصبر والإيمان، بهذه الكلمات البسيطة والعميقة: المسامح كريم—من يسامح فهو نبيل القلب. خليه منو الله—دع الأمر لله فهو سيحكم. لي خدا ليك عطاك—من أخذ منك، سيعوضك الله مئة ضعف. ادفع بالتي هي أحسن—قابِل الشر بالخير، فاللطف يرتقي بمن يمارسه. وهنا، في هذه الحكمة الصامتة والنورانية، تكمن العظمة الحقيقية للمرأة المغربية.



