في الهوامش الصامتة لمدن المغرب، حيث تنمو المصانع ككتل حديدية على أطراف العمران، تدور حياة العديد من النساء في دائرة تبدأ مع أول حافلة فجرًا وتنتهي مع آخر شعاع شمس.
وجوه شاحبة تتوارى خلف خطوط الإنتاج، وأياد صغيرة تنسج أسلاكًا تضيء سيارات في قارات بعيدة، بينما بيوت العاملات تغرق في ظلام الغياب.
هنا، لا تتحدث الأرقام وحدها عن الأجور والورديات والحوادث، بل تتحدث القلوب التي تفيض بحكايات التعب، والمآقي التي خبأت دموعها تحت ضجيج الماكينات.
هذه الشهادات هي بمثابة نبض نساء يقفن على الحافة بين الأمل والاستنزاف.
فاطمة – زمن يُقاس بالقطع
فاطمة، عاملة بأحد معامل الكابلاج، تقف على خط الإنتاج ثماني ساعات إلى اثنتي عشرة ساعة متواصلة في بعض المرات، لا تملك رفاهية الجلوس إلا في استراحة قصيرة.
تروي فاطمة لمجلة “فرح” : “حتى لو شعرت بالدوخة أو العياء، أُجبَر على البقاء… همهم الوحيد هو الإنتاج وليس الإنسان”.
منذ سنتين، لم تحصل على أي ترقية أو زيادة تُذكر، ورغم ذلك تخشى المطالبة بحقوقها: “الخوف من الطرد يكمم أفواهنا.”
ليلى – يوم الاختناق
في حادثة اختناق مصنع بالقنيطرة، كانت الشابة ليلى من بين العشرات اللواتي نُقلن إلى المستشفى. تتذكر تلك اللحظات بارتجاف: “شعرت أن رئتي تحترقان… لم يكن هناك من يشرح لنا ما يحدث، فقط كنا نركض نحو الباب.”
بعد الحادثة، عادت إلى العمل خوفًا من فقدان وظيفتها، لكنها لم تعد تشعر بالأمان.
أحلام – الحلم المؤجل
أما أحلام فتركت الجامعة لتلتحق بالعمل في الكابلاج، على أمل توفير مصاريف العودة للدراسة.
تقول أحلام: “وعدت نفسي أنني سأعمل لسنة واحدة فقط… والآن مرّت أربع سنوات.” لم يعد الحلم بمتابعة الدراسة واضحًا أمامها، لكنها لا تزال تحتفظ بدفتر صغير تسجل فيه خططها للمستقبل.
أصوات تحتاج أن تُسمع
شهادات العاملات في مصانع الكابلاج تكشف واقعًا لا تفضحه البيانات وحدها. خلف كل سلك يُركب، هناك يد أنهكها العمل، وقلب يختزن أحلامًا مؤجلة، ووجه يتعلم كيف يخفي التعب بابتسامة خجولة.
هذه الأصوات، إذا لم تجد من يسمعها، ستظل أسيرة ضجيج الماكينات، تنتظر فجرًا قد يضيع في الطريق.
علاء البكري



