تعب لا ينام: يومٌ في حياة عاملة مغربية بين المصنع والبيت

- Advertisement -

يُقال إن الصباح يولد من رحم الظلام، غير أنّ كثيرًا من نساء المغرب لا يشهدن ميلاد النهار إلا وهنّ في طريقهنّ إلى العناء. في مدن الساحل، حيث تختلط رائحة البحر برائحة العمل، تستيقظ آلاف النسوة قبل أن يستيقظ الضوء، يحملن في أعينهنّ بقايا نعاسٍ مؤجل، وفي صدورهنّ عزيمة لا تكلّ. هنّ عماد مصانع تعليب الأسماك، وأوتاد أسرٍ تقوم على تعبهنّ وصبرهنّ.

بين صلاة الفجر وصفير الشاحنات

تبدأ صفية، عاملة مغربية في مصنع لتعليب الأسماك، متزوجة وأمّ لطفلين، يومها مع الرابعة والنصف فجرًا. تقول لمجلة “فرح”: “أستيقظ قبل آذان الفجر بساعات، أتهيّأ للصلاة، ثم أجهّز مائدة الإفطار التي أعدَدْتُها في الليلة السابقة. بعد الأذان أصلّي وأغادر إلى سيارة النقل التي تقلّنا إلى المصنع. يبدأ العمل بين السابعة والنصف والثامنة، ولا ينتهي قبل السادسة مساءً”. ثم تضيف: “أقف طوال النهار، لا يُسمح لنا بالجلوس إلا في نصف ساعة الغداء. أشعر بأن ساقيّ لم تعودا لي، لكننا نواصل لأن لا خيار لنا. العمل شاقّ، لكنه يطعم أولادي، وهذا يكفيني لأصبر”.

بعد العمل… دوامٌ آخر

حين تنتهي صفية من ورديتها، لا تنتهي حكايتها. تعود إلى البيت لتبدأ “الدوام الثاني”: طبخ العشاء، وتحضير فطور الغد ووجبات الأبناء، وترتيب تفاصيل البيت الصغيرة. تقول: “ليس لدي من يساعدني، أظل أعمل حتى الواحدة والنصف بعد منتصف الليل. بعدها أنام ساعات قليلة، لأستيقظ مجددًا على الرابعة والنصف… وهكذا كل يوم”.

العمل: خبزٌ بطعم الملح

في مصانع التعليب تختلط رائحة البحر برائحة العرق. أصوات الماكينات لا تهدأ، والأيدي لا تتوقف. ورغم الظروف القاسية، تبقى هؤلاء النساء العمود الفقري لصناعةٍ تُصدّر منتجاتها إلى العالم، بينما يظلّ الأجر بالكاد يغطي نفقات الحياة. هشاشة العقود، ضعف الحماية الاجتماعية، وضغط الإنتاج تجعل العاملة تواجه العالم وحيدةً إلا من عزيمتها.

بين التعب والكرامة

تقول صفية: “أحيانًا أتمنى أن أرتاح يومًا واحدًا فقط، دون التفكير في الفواتير أو الطعام أو مستقبل أولادي. لكنني أعرف أن الراحة حلم لا يُتاح لنا. نحن نعمل لنرى أبناءنا أفضل منا”. كلمات تختصر معاناة جيلٍ كامل من النساء اللواتي يواصلن العمل لأن التوقف يعني الجوع.

من تعبٍ إلى معنى

قصة صفية مرآة لآلاف النساء في مصانع المغرب؛ يصنعن ما نستهلكه كل يوم، دون أن يُسمع صوتهنّ. العدالة لهنّ تعني الاعتراف بأن تعبهنّ جزء من كرامة الوطن، لا مجرد بندٍ لزيادة الأجور. حين تُطفئ صفية ضوء مطبخها الصغير، لا تفكر في القوانين، بل في أن تصحو غدًا لتبدأ من جديد. وفي هذا التكرار، بطولة لا تراها الكاميرات، لكنها تضيء قلب البلاد بصبرها الصامت.

علاء البكري