برعاية مشتركة بين وزراتي الثقافة الفرنسية والمغربية، تستعد باريس لاحتضان فعالية ثقافية ومهنية تضع الحرفة المغربية في قلب النقاش الدولي حول مستقبل الموروث الإنساني، في لحظة تعود فيها الصنعة التقليدية إلى الواجهة باعتبارها رصيدًا حضاريًا لا ينفصل عن الهوية ولا عن أسئلة العصر.
مائدة مستديرة حول التآزر بين الترف الباريسي والصنعة المغربية
ويُعقد يوم الجمعة المقبل لقاء فكري بعنوان: “الترف الباريسي والمعارف التقليدية المغربية: أيّ تآزر من أجل إعادة تثمين مستدام؟”. ويفتح هذا العنوان نقاشًا حول موقع الحرفة التقليدية في عالم تتسارع فيه التحولات، ويبحث عن توازن جديد بين الأصالة والابتكار، وبين الخبرة المتوارثة ورهانات السوق المعاصرة. ويشمل النقاش المقرر صناع القرار، والمهنيين، والباحثين، في محاولة لبناء رؤية مشتركة تُعيد تعريف القيمة الحرفية في سياق دولي يتزايد فيه الطلب على المنتجات الأصيلة ذات الطابع الإنساني.
“المغرب بصيغة المؤنث”: حضور نسائي يعيد الاعتبار للصنعة
بالتوازي مع المائدة المستديرة، تُنظم فعالية “المغرب بصيغة المؤنث” التي تجمع حرفيات مغربيات ونظيراتهن من باريس تحت شعار: “متحدات من أجل التميّز”. وتسلّط هذه المبادرة الضوء على الدور المركزي للمرأة في نقل المهارات التقليدية وتطويرها، وعلى قدرتها على تحويل المواد البسيطة إلى أعمال تحمل قيمة جمالية وثقافية معًا. وترتبط هذه الفعالية بتاريخ طويل من التعاون المهني بين المغرب وفرنسا، يهدف إلى تعزيز مكانة الصنعة التقليدية في الأسواق الدولية وإبراز مهارة النساء في صياغة قطع فنية تحمل توقيعًا خاصًّا.
وتتواصل الفعالية في غرفة المهن والحرف بمنطقة إيل دو فرانس منذ 18 نونبر، لتستمر إلى غاية 18 دجنبر 2025، داخل فضاءات تتيح للزوار اكتشاف نماذج من أحدث الإبداعات الحرفية المغربية والفرنسية.
تراث يعبر نحو المستقبل
ويمتد هذا المشروع الثقافي ليشكّل خطوة عملية نحو إعادة تثمين الحرف التقليدية على المستويين الاقتصادي والثقافي. وخلال السنوات الأخيرة، تحولت العلاقة بين الترف الباريسي والصنعة المغربية إلى مجال بحث وتطوير، اعتمادًا على الجودة العالية للمنتوج المغربي واهتمام المؤسسات الفرنسية بالمعارف اليدوية الأصيلة. ويُنتظر أن تسهم هذه اللقاءات في فتح آفاق تعاون جديدة، خاصة في ما يتعلق بالتكوين المهني، ودعم المبادرات النسائية، وتطوير صناعة قائمة على الإبداع المستدام.
رسالة تتجاوز حدود المعارض
وتتجاوز أهمية هذا الحدث مجرد تقديم عروض حرفية؛ إذ يحمل في جوهره تعزيز حضور التراث المغربي في المنصات الدولية، وإبراز دوره في ترسيخ الحوار الثقافي بين الشعوب. والحرف التقليدية تعد من أقوى العلامات الدالة على هوية المجتمعات، ومن أبرز عناصر قوتها الناعمة. وتؤكد الفعالية أن الحفاظ على الموروث يعد التزامًا ثقافيًا وخيارًا يُمكّن من بناء اقتصاد أكثر إنسانية وفضاءً فنيًا يقدّر قيمة ما تصنعه اليد حين تمتزج بالخبرة والإبداع.
علاء البكري



