الولادة القيصرية تتصدر مشهد الولادات في المغرب

- Advertisement -

تُظهر بيانات حديثة صادرة عن الصندوق الوطني لمنظمة الاحتياط الاجتماعي “كنوبس” برسم سنة 2023 تحولًا لافتًا في نمط الولادات بالمغرب، بعدما ارتفع عدد العمليات القيصرية إلى مستويات غير مسبوقة. فقد سجّل الصندوق أكثر من 20 ألف ملف تعويض يخص الولادة القيصرية، مقابل حوالي 10 آلاف ولادة طبيعية فقط، ما يعني أن القيصرية أصبحت تُسجل ضعف الولادات الطبيعية، في منحى يعكس تغيرًا عميقًا في خيارات الأمهات والأطباء داخل المشهد الصحي الوطني.

قيصرية تنقذ الأرواح، ومخاطر تتزايد خارج الضرورات الطبية


ورغم أن الولادة القيصرية تظل إجراءً حاسمًا لإنقاذ حياة الأم أو المولود في العديد من الحالات الطارئة، إلا أن الارتفاع المتواصل في اللجوء إليها يثير مخاوف متزايدة. فهذا الخيار الجراحي يرتبط بمضاعفات محتملة، منها خطر الالتهابات، وارتفاع مدة التعافي، واحتمال التأثير على صحة الطفل، خاصة إذا تم اللجوء إليه دون ضرورة طبية واضحة. ويشير مهنيون في قطاع الصحة إلى أن المسافة بين “الضرورة الطبية” و”الاختيار المريح” أصبحت ضيقة، ما جعل القيصرية تتحول من تدخّل عاجل إلى خيار منتشر بين فئات واسعة من النساء.

تراجع الولادة الطبيعية: عوامل طبية واجتماعية واقتصادية


أمام صعود القيصرية، يواصل الإقبال على الولادة الطبيعية مساره التراجعي. ويربط خبراء هذا التحول بعدة عوامل متداخلة، منها توسع حضور التكنولوجيا الطبية داخل غرف الولادة، ورغبة بعض الأطباء في ضمان هامش أمان أكبر خلال الولادة، إضافة إلى تصورات اجتماعية تعتبر القيصرية وسيلة للتحكم في موعد الإنجاب أو تفادي آلام المخاض. كما تلعب الثقافة الرقمية المنتشرة عبر وسائل التواصل دورًا غير مباشر، إذ تنقل تجارب شخصية قد تعزز فكرة أن القيصرية “أسهل” أو “أقل ألمًا”، دون الإحاطة بالمخاطر الكامنة وراء هذا الخيار.

ضرورة إعادة تقييم، ومسؤولية مشتركة بين الأسرة والقطاع الصحي


أمام هذا التحوّل، يبرز مطلب وطني ملح بإعادة تقييم الظاهرة والبحث في جذورها الصحية والاجتماعية، مع وضع سياسات توعوية تشجع على الولادة الطبيعية كلما سمحت الحالة الطبية بذلك. ويحتاج هذا المسار إلى رؤية تشاركية تجمع بين المؤسسات الصحية والأسر ومهنيي القطاع، لضمان توازن حقيقي بين راحة الأم وسلامتها، وبين الحفاظ على نهج طبي آمن ومستدام. فالولادة، بمختلف أشكالها، هي لحظة إنسانية تتطلب قرارات واعية وصحيحة، تُبنى على المعرفة العلمية، وتستند إلى حماية صحة الأم والطفل في آن واحد.

علاء البكري