اختتمت الجولة الترويجية للعلامة المغربية للاستثمار والتصدير «المغرب الآن» (Morocco Now) بألمانيا، فعالياتها بمدينة شتوتغارت، بعد أيام مكثفة من اللقاءات والحوارات الاقتصادية التي أسفرت عن تفاعل لافت من جانب المؤسسات والفاعلين الاقتصاديين الألمان، الذين أبدوا اهتمامًا متزايدًا بفرص الأعمال التي يتيحها المغرب، وحضر بعضهم حاملًا مشاريع جاهزة للاستقرار والاستثمار داخل المملكة.
هذه الجولة، التي امتدت من 8 إلى 12 دجنبر الجاري، عكست صورة مغرب يتحرك بثقة داخل الخريطة الصناعية الأوروبية، ويقدم نفسه شريكًا موثوقًا في زمن التحولات الكبرى التي تعرفها سلاسل الإنتاج والطاقة والصناعة.
من برلين إلى شتوتغارت: حوار مباشر مع قلب الاقتصاد الألماني
وقاد وفد نشيط من القطاع المكلف بالاستثمار والوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات جولة ترويجية شملت مدن برلين وميونيخ وشتوتغارت، حيث جرى تقديم العرض الصناعي المغربي ومزاياه التنافسية، مع إبراز آفاق الاستثمار التي يوفرها الاقتصاد الوطني في سياق دولي يتسم بتقلبات عميقة.
وقد أفضت هذه اللقاءات إلى نتائج ملموسة، إذ عبّرت شركات ألمانية عن رغبتها في نقل أنشطتها أو جزء منها إلى المغرب، فيما سعت مقاولات مستقرة بالفعل داخل المملكة إلى توسيع استثماراتها وبناء شراكات جديدة تعزز حضورها داخل السوقين المغربي والأوروبي.
المغرب كمنصة صناعية متكاملة في نظر المستثمر الألماني
وتنتمي غالبية المقاولات التي أبدت اهتمامها بالمغرب إلى فئة الشركات المتوسطة، وتنشط في قطاعات استراتيجية تشمل صناعة السيارات، والتنقل الكهربائي، والانتقال الطاقي.
وترى هذه الشركات في المغرب منصة صناعية تنافسية، مندمجة في سلاسل القيمة الدولية، وقادرة على مواكبة التحديات التي تواجه السوق الألمانية، سواء على مستوى الطاقة أو التنافسية الصناعية.
في هذا السياق، أكدت كاتارينا فيلغنهاور، المديرة العامة لغرفة التجارة والصناعة الألمانية بالمغرب، أن المملكة تشهد دينامية تطور متسارعة في مختلف القطاعات، وهي دينامية تستقطب اهتمام المستثمرين الألمان الذين ينظرون إلى المغرب كسوق واعدة وأفق عملي لتجاوز عدد من الإكراهات الراهنة.
تعاون اقتصادي متجدد ورؤية مشتركة للمستقبل
طوّر المغرب وألمانيا، على امتداد السنوات، تعاونًا اقتصاديًا ثنائيًا يقوم على المنفعة المتبادلة، حيث تضطلع الغرفة الألمانية للتجارة والصناعة بالمغرب بدور محوري في مواكبة الشركات الألمانية الراغبة في الاستقرار بالمملكة، ودعم تلك الموجودة بالفعل في مسار توسيع أنشطتها وبناء جسور جديدة مع السوق الألمانية.
وأوضح المدير العام للوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات، علي صديقي، أن الجولة الترويجية مكّنت من التواصل مع أزيد من مئة شركة ألمانية عبر لقاءات ثنائية وندوة «المغرب الآن» التي احتضنتها شتوتغارت، عاصمة ولاية بادن-فورتمبيرغ، مشيرًا إلى أن هذه الدينامية ستترك أثرًا ملموسًا على الصناعة الوطنية خلال المرحلة المقبلة.
استثمار قائم على المعرفة والبراغماتية
من جانبه، أبرز المدير العام للاستثمار ومناخ الأعمال بالوزارة المكلفة بالاستثمار، غالي الصقلي، أن النقاشات التي جمعت الجانب المغربي بالمستثمرين الألمان اتسمت بالواقعية والبراغماتية، في ظل معرفة دقيقة بخصوصيات الاقتصاد المغربي ومؤهلاته.
وأشار إلى أن تطور العلاقة الاستثمارية بين البلدين يتجلى في موقع ألمانيا ضمن قائمة أكبر خمسة مستثمرين أجانب بالمغرب، معتبرًا أن المستثمرين الأجانب المستقرين بالمملكة باتوا يشكلون سفراء فعليين لجاذبية الاقتصاد الوطني.
لقاءات رفيعة المستوى ودبلوماسية اقتصادية فاعلة
شهدت محطات جولة «المغرب الآن» عقد سلسلة من اللقاءات رفيعة المستوى، قادها الوزير المنتدب المكلف بالاستثمار والتقائية وتقييم السياسات العمومية، كريم زيدان، شملت مباحثات ببرلين مع وزيرة التعاون الاقتصادي والتنمية الفدرالية الألمانية، ريم العبلي-رادوفان، ولقاء بميونيخ مع نائب رئيس حكومة ولاية بافاريا، هوبرت آيفانغر.
كما التقى الوفد المغربي بمجموعات ألمانية كبرى تنشط في مجالات الطاقات المتجددة وحلول الطاقة والأتمتة والصناعة، إلى جانب هيئات مهنية تمثل نسيجًا اقتصاديًا وازنًا داخل ألمانيا.
الكفاءات المغربية بألمانيا: رافعة إضافية للشراكة
وفي محطة ذات دلالة خاصة، عقد الوزير زيدان لقاءً مع الكفاءات المغربية المقيمة بألمانيا، بهدف تعزيز انخراطها في مواكبة التحولات الاقتصادية التي يشهدها المغرب، والإسهام في الدينامية الصناعية الوطنية ضمن مقاربة تقوم على البناء المشترك وتقاسم الخبرات.
شراكة تتعزز بالأرقام والمؤشرات
وتعكس الأرقام المسار التصاعدي للشراكة الاقتصادية بين البلدين، حيث تستقر حاليًا حوالي 250 شركة ألمانية بالمغرب في قطاعات متعددة تشمل الصناعة والهندسة واللوجستيك والاستشارة.
كما سجلت الاستثمارات الألمانية المباشرة ارتفاعًا يفوق 50 في المئة بين سنتي 2023 و2024، ما يضع ألمانيا في المرتبة الثانية من حيث الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمملكة، ويؤكد موقعها كشريك استراتيجي في التنمية الصناعية والتكنولوجية للمغرب.
علاء البكري



