غيب الموت العداء الهندي الشهير فوجا سينغ عن عمر ناهز 114 عامًا، بعدما صدمته سيارة أثناء عبوره أحد الطرق في قريته الهادئة «بياس بيند»، الواقعة قرب مدينة جالاندهار بولاية البنجاب شمال الهند، حيث كان يفضّل قضاء أيامه الأخيرة بين حقول القمح التي أحبها منذ طفولته.
أيقونة لا تعترف بحدود الزمن
وعرف العالم فوجا سينغ بكونه «العجوز الطائر» الذي تحدّى قوانين الطبيعة والشيخوخة.
لم يبدأ العدو إلا في سنٍ يعدّه كثيرون نهايةً للحلم؛ لكنه أثبت أن العزيمة الصادقة قد تجعل من البدايات المتأخرة مصدرًا لمعجزات صغيرة وكبيرة في آن.
وبعدما فقد زوجته وابنه في حادث أليم، وجد فوجا في الجري عزاءً ومتنفسًا، فحوّل حزنه وقسوة وحدته إلى خطوات ثابتة على حلبات الماراثون حول العالم.
ماراثونات محفورة في الذاكرة
في سن التاسعة والثمانين، شارك لأول مرة في ماراثون لندن الشهير، قاطعًا المسافة بزمن قدره 6 ساعات و54 دقيقة، وسط دهشة الصحافة والجمهور.
لكن إنجازه الأبرز جاء لاحقًا في تورونتو سنة 2003، حين سجل أفضل أوقاته بإنهاء الماراثون في 5 ساعات و40 دقيقة، ليحفر اسمه في كتب الأرقام القياسية كأول إنسان فوق المئة يكمل سباقًا بهذه المسافة.
وحتى بعد بلوغه المئة، ظل يشارك في السباقات الرمزية، حافي القدمين أحيانًا، رافعًا شعار أن الرياضة أمل يتجاوز حدود الجسد.
تقدير عالمي ورسالة إنسانية
لم يكن فوجا مجرد عداء، بل أصبح رمزًا للأمل ولقوة العزيمة الإنسانية. استُضيف في مناسبات دولية، وأدرِج اسمه في حملات توعية للصحة والرياضة، وألهم قصصًا وأفلامًا وثّقت سيرته التي علّمت الملايين أن المستحيل كلمة زائفة أمام من يُحب الحياة حقًا.
عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عجّت الصفحات برسائل الوداع، حيث وصفت النائبة البريطانية بريت كاور غيل روحه بأنها «تواضع متجلٍ في خطوات رياضية»، فيما أكد النائب جس أثوال أن إرثه سيظل رمزًا حيًا للطائفة السيخية ومصدر إلهام عالمي.
فلسفة حياة.. في خطوات هادئة
لم يكن فوجا سينغ يركض للربح أو الألقاب وحدها، بل كان يرى في العدو وسيلة للاتصال بالحياة وتقدير نعمة الجسد.
وقد اعتاد فوجا أن يردد دومًا:
«ما دمتَ قادرًا على وضع قدم أمام الأخرى.. فأنت على قيد الأمل.»
في أحاديثه مع الصحافة، كان ينصح الناس بأن لا يتخلّوا عن أحلامهم حتى وإن تأخرت. فقد كان ينهض قبل الفجر ليشرب شاي الزنجبيل، ثم ينطلق في جولات تدريبية لمسافات طويلة، محتفظًا بحمية نباتية صارمة وبروح طفل يستكشف الدروب من جديد.
إرث خالد.. وذكرى لا تزول
رحل فوجا سينغ بجسده، لكن روحه ستظل تجري مع كل من يربط حذاءه صباحًا ويخرج ليهزم الكسل والشيخوخة والعمر.



