متحف الخزف بآسفي: حين يتحول الطين إلى ذاكرة نابضة بالجمال

- Advertisement -

في قلب مدينة آسفي، المعروفة بحرفييها المهرة وفنونها العريقة، ينتصب متحف الخزف كأحد أبرز المعالم الثقافية بالمغرب، مجسداً تراثاً ضارباً في القدم لفنّ تشكّل من الطين والماء والنار، وتحول إلى ذاكرة وطنية تنبض بالحياة.

صرح يخلد عبقرية الصناعة التقليدية

ويعتبر متخف الخزف، المُؤهَّل سنة 2018 بدعم من المؤسسة الوطنية للمتاحف، فضاءً فريداً يحتفي بواحد من أعرق الفنون المغربية وأكثرها التصاقاً بهوية مدينة آسفي. 

ويتوفر المتحف على مئات القطع الفنية التي توثق تطور فن الخزف المغربي عبر العصور، وتجسّد إبداع الحرفيين المغاربة من مختلف جهات المملكة.

من العصر الحجري إلى الألفية الثالثة

ويأخذ المتحف زائريه في رحلة عبر الزمن تمتد من عصور ما قبل التاريخ إلى بدايات الألفية الثالثة. 

وتتوزع المعروضات داخل سبع قاعات رئيسية، مرتّبة بطريقة تسلسلية تجمع بين البعد الزمني والجغرافي والفني. 

وتُعرض فيها قطع خزفية من مناطق كشيشاوة، الريف، تامكروت، الأطلس الكبير، وفاس، فضلاً عن قاعات مخصصة لآسفي، المدينة التي تُعدّ عاصمة الخزف المغربي بامتياز.

مركز للتربية الفنية والتوثيق

وفي هذا الشأن، تصرح محافظة المتحف، إيمان المنجم، أن المتحف لا يقتصر على عرض القطع التاريخية، بل يؤدي أيضاً دوراً تربوياً وثقافياً؛ فهو يستقبل الزوار من مختلف الأعمار، وينظم ورشات فنية للأطفال بالتعاون مع مؤسسات تعليمية، لترسيخ هذا الفن في وعي الأجيال الصاعدة.

وتضيف المتحدثة أن تصميم المتحف، المبني على مسار متسلسل ومدروس، يساعد الزائر على فهم تطور الخزف المغربي من حيث الشكل والوظيفة والزخرفة، وكيف تفاعل هذا الفن مع المعطيات الاجتماعية والسياسية والدينية عبر الحقب.

فاس وآسفي: مدن تحكي بالخزف

ويضم المتحف قاعات خاصة بمدينة فاس خلال القرن التاسع عشر، وأخرى تسلط الضوء على العصرين الموحدي والمرابطي، حيث يُعرض فيها قطع أثرية نادرة تعود إلى القرنين العاشر والحادي عشر الميلادي. 

كما يُبرز المتحف مساهمة فنانين كبار، مثل بوجمعة العمالي، الذين أسهموا في تجديد هذا الفن ونقله إلى آفاق عالمية.

من الذاكرة الحرفية إلى الجاذبية السياحية

هذا، وتحوّل متحف الخزف إلى محطة بارزة في المسار السياحي لمدينة آسفي، حيث يقصده زوار من داخل المغرب وخارجه.

 وتحدثت فاطمة الزهراء، وهي زائرة من مراكش، عن انبهارها بالقطع المعروضة التي تجمع بين الإبداع والدقة، مؤكدة أن “الخزف ليس حرفة فقط، بل فن ينقل شعوراً وهوية”.

من جهتها، وصفت صفاء، القادمة من أمزميز، زيارتها للمتحف بأنها لحظة اكتشاف لثقافة صنعتها الأيدي المغربية، بينما عبّر فؤاد، فاعل جمعوي من آسفي، عن إعجابه بالقطع الأثرية التي توثق بدايات ازدهار هذه الصناعة منذ العهد الفينيقي.

الطين الذي لا ينكسر.. خزف يحفظ الذاكرة

لا يمكن الحديث عن آسفي دون التوقف عند هذا المتحف الذي يتجاوز كونه فضاءً للعرض، ليغدو تجسيداً حياً لذاكرة جماعية ووجدان حضاري. في أروقته، يتحول الطين إلى لغة، والزخرفة إلى قصيدة، والخزف إلى مرآة تعكس روح مدينة لا تنكسر.