لم يكن ما حدث في صيف 2025 مجرد مباريات، بل كان نشيدًا من عزيمة نساء رسمْنَ بأقدامهن خريطة المجد، وغزلْنَ من العرق والألم وميض الأمل.
لقد كانت لبؤات الأطلس أكثر من فريق، كنّ رايات تمشي، وإرادة لا تلين، يكتبنَ بقلوبهن تاريخًا لا تنساه القارة السمراء.
من مباراة الافتتاح أمام زامبيا، حين هبّت رياح التعادل من بين فكيّ الصعوبة، إلى الانتصارات اللاحقة التي تناثرت كزهور في درب شاق، كان المنتخب النسوي المغربي يرتقي درجة بعد أخرى، وكل مباراة تكشف عن معدن لا يصدأ، وشغف لا يخبو.
في مواجهة جمهورية الكونغو الديمقراطية، اشتعلت شباك الخصم بثلاثية من غزلان الشباك، التي لم تكن تسجل أهدافًا فقط، بل كانت تنثر أنوثة قوية لا تُقهر، وتعلن أن كرة القدم ليست حكرًا على الرجال، بل ساحة من ضوء للنساء أيضًا.
ثم جاء الموعد مع مالي، ومرّت قافلة العزّ، بثلاثية أخرى، كتبتها أقدام ابتسام الجرايدي وكنزة شابيل، لتقول إفريقيا إن المغرب لا يكتفي بالحضور، بل يحفر حضوره في ذاكرة البطولات.
أما نصف النهائي أمام غانا، فقد كان امتحان النار. مئة وعشرون دقيقة من الصبر، من الصراخ المكتوم، من العيون التي لا ترمش، قبل أن تحسم ركلات الترجيح عبور اللبؤات إلى النهائي الثاني على التوالي، وسط فرح يشبه بكاء وطن.
وفي ليلة الرباط، أمام نيجيريا، تنفّس الحلم المغربي بكامل رئتيه. شوط أول ملكيّ، تقدم فيه المنتخب المغربي بهدفي غزلان الشباك وسناء مسودي، وحين بدأت الجماهير تلمس الكأس بأهداب أعينها، انقلبت الموازين، وعاد المنتخب النيجيري من بعيد ليخطف الفوز في أنفاس اللقاء الأخيرة بثلاثة أهداف لهدفين.
ورغم ذلك، خرجت اللبؤات من الميدان مرفوعات الرأس، وقد كتبت كل واحدة منهن سطرًا من نور في سفر الكرة النسوية المغربية. خرجن وهنّ يحملن في العيون دمعة، وفي القلب وعدًا: “لن نغيب عن المجد، وسنعود.”
بطلات في ثوب الحزن، ولكن بوجوه الأمل
بعد المباراة، كان الحزن كثيفًا في التصريحات، لكنه لم يكن حزن الانكسار، بل حزن من يعرف أنه كان قريبًا من القمة، وسيسعى لها من جديد.
وفي هذا الشأن، قالت سكينة أوزراوي، إن “اللقب كان في المتناول، لكننا لن نستسلم.”
أما العميدة غزلان الشباك، هدافة البطولة، فكان لسانها ينطق بما لا يُقال: “المباريات النهائية تُسرق أحيانًا بتفصيلة، لكن الدرس الأكبر هو أننا قادمات.”
وفي عيني خديجة الرميشي، الحارسة الأمينة، كانت نظرة تصرخ: “ما زال فينا حلم، وما زالت الرحلة طويلة.”
صيف من ذهب، وبدايات لا تنتهي
رغم غياب الكأس، فإن ما حدث في كأس إفريقيا 2024 كان تأكيدًا على أن الكرة النسوية في المغرب ليست طفرة، بل مشروع نضج وتطور وصبر. مشروع ترعاه إرادة ملكية داعمة، وأطر فنية عالية، وجمهور بدأ يُدرك أن البطولة ليست ذكرًا أو أنثى، بل روح تقاتل.
اللبؤات لم يخسرن، بل ربحْنَ الاحترام، وأضفن إلى المغرب وسامًا جديدًا في سماء الرياضة.
وما دام في الأرض نساء بهذا العزم، فإن المجد حتمًا سيعود، ذات يوم، إلى حيث يستحق..



