بعد سبعين عاماً، مذكرات آينشتاين الأخيرة ترى النور

- Advertisement -

بعد سبعين عاما من كتابتها، وبعد عشرين عامًا على اكتشافها، تستعد دار نشر ألمانية لإصدار مذكرات غير مسبوقة تكشف تفاصيل السنوات الأخيرة من حياة أحد أعظم عباقرة القرن العشرين، ألبرت آينشتاين.

وتسلط هذه المذكرات، التي دوّنتها آخر صديقة مقرّبة له، يوهانا فانتوفا، الضوء على وجه إنساني قلما عرفه العالم عن “أب النسبية”.

اكتشاف صدفة يقود إلى كنز معرفي

في عام 2004، وبينما كانت أرشيفات مكتبة “فايرستون” بجامعة برينستون تخضع لعملية جرد روتيني، عُثر بالصدفة على وثائق خطية من 62 صفحة باللغة الألمانية.

واحتوت هذه الوثائق، التي كتبتها أمينة المكتبة السابقة يوهانا فانتوفا، على تفريغات مفصّلة لمكالمات هاتفية أجرتها مع آينشتاين بين عامي 1953 و1955، أي في الفترة التي سبقت وفاته عن عمر يناهز 76 عامًا.

وظلت هذه المذكرات منسية في الأرشيف لما يقرب من عقدين، قبل أن تقرر دار النشر الألمانية “هاينه” أخيرًا إصدارها رسميًا في كتاب تحت عنوان:

“أنا مغناطيس لجميع المجانين – بروتوكولات آينشتاين: حياته، حبه الأخير، إرثه”، من إعداد الكاتب بيتر فون بيكر، في 24 سبتمبر المقبل.

تأملات حميمة بين الحب والمنفى

ولم تكن يوهانا فانتوفا، التي وُصفت بأنها آخر “صديقة وخطيبة” لآينشتاين، مجرّد مستمعة، بل كانت مرافقة فكرية تشاركه تأملاته عن العالم. 

فقد دأب آينشتاين، بعد فراره من ألمانيا النازية إلى الولايات المتحدة عام 1933، على الحديث معها بانتظام عبر الهاتف، متناولًا شؤون العلم والسياسة والحياة والمنفى.

سجّلت فانتوفا تلك المكالمات بتقنية الاختزال، وبموافقة صريحة من آينشتاين، كما أكدت دار النشر، مما يجعل هذه المذكرات وثيقة نادرة تضيء زوايا معتمة من شخصيته بعيدًا عن صيته العلمي.

انتقادات سياسية ومواقف أخلاقية

وبعيدًا عن معادلات النسبية وتكافؤ المادة والطاقة، تضمنت المذكرات مواقف صريحة من قضايا كبرى شغلت القرن العشرين. 

وانتقد آينشتاين سباق التسلح المتسارع بين القوى الكبرى، كما أعرب عن قلقه من إعادة تسليح ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية.

ولم يكن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي غائبًا عن ذهنه، إذ عبّر في محادثاته عن رؤى إنسانية تدعو إلى التفاهم والحوار بدلاً من المواجهة، مجددًا تأكيده أن معاناة الشعوب لا ينبغي أن تُستنسخ بأي شكل جديد.

من العبقرية إلى الحنين الإنساني

رغم شهرته كنجم ساطع في سماء الفيزياء الحديثة، يقدّم الكتاب صورة لآينشتاين كإنسان شغوف بالحياة، حساس تجاه الحب، ومنشغل بأسئلة الوجود الكبرى.

 ويظهر في المذكرات كمن يعيش شيخوخته متأملاً لا مختبِرًا، لكنه يظل ناقدًا نبيهًا لعالم متغير تتنازعه الحروب والصراعات.

وتتخلل الصفحات تأملاته الشخصية في الحب، والعزلة، والهوية، والمنفى، كما تظهر علاقته بفانتوفا بوصفها مساحة للبوح الفكري والوجداني، لا مجرد صداقة تقليدية.

إرث علمي وإنساني متجدد

ويشكّل نشر هذه المذكرات إضافة نوعية إلى ما هو معروف عن آينشتاين، الذي أحدث ثورة في فهم العالم من خلال نظرياته في النسبية الخاصة والعامة، وهو الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1921 عن اكتشافه للتأثير الكهروضوئي، وأحد القلائل الذين جمعوا بين العلم والضمير الأخلاقي.

لكن آينشتاين، كما يظهر في هذا الإصدار الجديد، كان أيضًا رجلاً عاشقًا، مهاجرًا، متأملاً، ومنخرطًا في قضايا عصره، وهي صورة تعيد صياغة أسطورته بعيدًا عن البرودة الأكاديمية، نحو إنسانية دافئة أقرب إلى القلب.

آينشتاين: من طالب متعثر إلى عبقري غيّر وجه العلم

رأى ألبرت آينشتاين النور يوم 14 مارس 1879 في مدينة أولم الألمانية لأبوين يهوديين. رغم نبوغه المبكر، واجه صعوبات دراسية وتعرض للتنمر، حتى قيل له يومًا إنه “لن ينجح في شيء”. 

حصل على دبلومه من المعهد الفدرالي السويسري في زيورخ، ثم بدأ حياته موظفًا متواضعًا في مكتب براءات الاختراع.

في عام 1905، قدّم أربعة أبحاث غيرت مجرى الفيزياء، بينها ورقة “النسبية الخاصة” ومعادلته الشهيرة E=mc². وفي عام 1915، نشر نظرية النسبية العامة التي أعادت تعريف مفهوم الجاذبية والزمان والمكان.

فرّ من ألمانيا إلى الولايات المتحدة عام 1933 هربًا من النازية، واستقر في برينستون حتى وفاته في 18 أبريل 1955. ورغم عروض سياسية كبرى، بينها رئاسة إسرائيل، آثر آينشتاين البقاء وفيًا للعلم، مكرّسًا حياته للتأمل والعمل من أجل السلام.

علاء البكري