علاء البكري
في حضرة الزمن المغربي، ينهض اسم جلالة الملك محمد السادس منارةً شاهقة، يشعّ نورها منذ اعتلائه عرش أسلافه الميامين صيف عام 1999، فكان قدومه عهدًا جديدًا تسللت إليه الآمال من كل فجّ، ورفرفت فوقه رايات التغيير الممزوج بالحكمة والحنان.
حُكم ينسج القرب في أوتار الوطن
هو ملك لا تُختزل هيبته في البروتوكول فقط، أو في رؤيته المستشرِفة الحكيمة، وإنما تُستمد أيضاً من نبض شعبٍ رأى فيه ظلّ الوطن المنشود وشمس الغد الطافح بالمنجزات.
فمنذ أن ارتدى عباءة الحكم، اختار القرب دربًا، والإنصات نهجًا، والمبادرة نبضًا متدفقًا في شرايين الدولة. لم يكن زمنه مجرد استمرار، بل ولادة ثانية لمغرب جديد، يسير بخطى واثقة نحو الحداثة دون الحياد عن أصالة الذات.
إنجازات تُروى بحلم الشعب
تُطل على إنجازاته، فتراها لا تُحصى في جداول ولا تُختزل في أرقام. هي إنجازات تُلمس في نبض المدن والقرى، في الطرق التي تشق الجبال، في الضوء الذي يبدد ظلمة العزلة، وفي نبض مستشفى فتح بابه لفقراء الوطن.
تراها تكمن في دمعة أرملة مسحتها مبادرة، وفي يد فلاح امتدت إليها شمس الإنصاف، وفي شاب وجد في وطنه فرصة كان يبحث عنها بين الغيم.
ملكٌ يتقدّم بالصمت المهيب
محمد السادس ليس ملكًا بسلطة العرش فقط، بل أبٌ بحسّ الرعاية، ومُصلح بهدوء المشّائين.
لا يهوى الصخب، بل يزرع في صمتٍ، ويحصد في تقدير.
أسّس لمشروع وطني ينمو كغرسٍ رويَ برؤية، وينهض على ثلاثية التوازن: تحديث لا يستأصل الهوية، وسيادة لا تُساوَم ولا تُرهَن.
من الوطن إلى العالم: دبلوماسية الحكمة
وفي السياسة كما في التنمية، اختار الرصانة على الاندفاع، والعمق الصامت على التسطيح الغوغائي، فجعل من الدبلوماسية امتدادًا لحكمة الداخل، ومن إفريقيا فضاءً استراتيجيًا للامتداد، ومن قضية الصحراء المغربية محورًا لصحوٍ دبلوماسي غير مسبوق، فرض على العالم احترام مقترح الحكم الذاتي، وأعاد رسم الخريطة الدولية من بوابة السيادة، منذ 2007 إلى الان. ولا أدل على ذلك من زخم القنصليات الإفريقية في أقاليمنا الصحراوية، ولا أدل على ذلك من اعتراف القوى العظمى بسيادة المغرب على صحرائه.
من أجل المرأة انحنى الإصلاح للكرامة
وفي مسار جلالته، لم تكن المرأة قضيةً تُؤجل، ولا رقماً في سجلات المساواة الشكلية، بل كانت جوهر الإصلاح الاجتماعي، ومرآةً تُقاس بها جدية التحول الوطني.
فمنذ بدايات عهده، اختار أن يُنصت لصوتها، ويُسائل القوانين بعين الإنصاف، فكانت مدونة الأسرة ثمرة إرادة ملكية سامية، نزعت عن المرأة ثوب التبعية، وكسَتها برداء الكرامة.
أعاد جلالته الاعتبار لدورها في الأسرة والمجتمع، وجعلها شريكًا في القرار، لا ظلًا في الزاوية.
لم يكن التغيير صاخبًا، لكنه كان حقيقيًا، تسلّل إلى دواوين القضاء، وإلى المناصب العليا، وإلى قلب الحياة العامة، حيث صار للمرأة موطئ قدم في الإدارات، والبرلمان، والسفارات، وحتى في قلب مشاريع التنمية البشرية.
واليوم، يُواصل جلالته حمل الشعلة، داعيًا في خطبه إلى مراجعة عاقلة لمكامن القصور، وإلى مزيد من الإنصاف في مدونة تُلامس أعقد تفاصيل المجتمع، لكنه يُصرّ أن تُصاغ تلك التعديلات بميزان الشرع وعدل العقل، فلا يُقصى فيها صوت المرأة، ولا يُلغى فيها رجع الضمير الجماعي.
حين يُصبح الملك درعًا لشعبه
هو القائد الذي، حين اجتاح العالم الوباء، لم ينتظر المعونات، بل استبق الزمن بلقاحات محلية وقرارات استثنائية، فكان المغرب من أوائل الدول التي وقفت شامخة في وجه الجائحة بحكمة وجرأة.
واليوم، تواصل الرؤية السديدة مدّ المغرب بما يكفي سيادته القومية في المجال.
الرياضة: مرآة الطموح
وفي عهده، لم تكن الرياضة مجرد ملعب، بل نافذة ليرى العالم طموح المغاربة متجسدًا في عيون الأسود، وهم يكتبون التاريخ في مونديال قطر، ويفتحون الطريق نحو حلمٍ يتحقق من خلال استضافة كأس العالم 2030.
في الذكرى السادسة والعشرين، شعب يُجدد البيعة بالحب
وفي ذكراه السادسة والعشرين على عرش المملكة، يزداد يقين المغاربة أن ملكهم ليس فقط حامي الحمى والدين، بل حارس الحلم، وسند الأمل، وصوت الحكمة في زمنٍ عزّ فيه الصمت النبيل.



