علاء البكري
في قلب الجنوب المغربي، حيث تنام الجبال على وسائد الشمس، وتنهض الأرض على وقع الحِرَف المتجذّرة في العروق، تنبض مدينة تنغير بعطر الصناعة التقليدية، وهي تفتح ذراعيها، من السابع والعشرين يوليوز الجاري إلى غاية الثاني غشت المقبل، لمعرض جهويّ لا يُشبه المعارض، بل يُشبه العيد.
تحت شعارٍ يحاكي الرؤية ويُعانق الأمل: “تعاونيات الصناعة التقليدية، قاطرة التنمية المجالية المندمجة”، تُقام هذه التظاهرة بمشاركة 115 عارضًا، جاؤوا من مختلف أقاليم وجهات المملكة، يحملون في أكفّهم تاريخًا يُصاغ ويُباع ويُروى.
وجاء حفل الافتتاح، الذي حضره عامل إقليم تنغير، إسماعيل هيكل، وعدد من المنتخبين، ووجوه مؤسساتية ومهنية، أشبه بعرس يتوّج فيه الحرفيّون بوهج الاعتراف بدل الأوسمة.
صناعة لا تصدأ.. وذاكرة لا تموت
وتمتدّ أروقة المعرض على مساحة تفوق ثمان مئة وألفي متر مربع، لكنها تمتدّ أيضًا في وجدان الزائر كأغنية من خشب ونحاس وصوف وماء.
رواق يتلوه رواق، كلّ واحد منها حكاية منقوشة، سواء في الزرابي، أو الفخار، أو المصوغات، أو الجلد أو الحلي.
هنا، لا تُعرض المنتجات فحسب، بل تُعرض الذاكرة. كل قطعة تُخبرك عن امرأة سهرت، أو رجل نحت ذاكرة قريته في وعاء، أو شاب آمن أن الأصالة ليست نقيض الحداثة، بل روحها العميقة.
التعاونيات: القلب النابض لتنمية دامسة الخطى
وفي صلب هذه التظاهرة، كان الصوت يعلو للتعاونيات، ليس لكونها تُنتج فقط، بل لأنها تُحيي.
وفي كلمته الافتتاحية، لفت رئيس غرفة الصناعة التقليدية بجهة درعة تافيلالت، عبد الجبار لعوان، إلى أن التعاونيات لم تعد مجرد هياكل اقتصادية، بل صارت أجنحة تحلّق بالاقتصاد التضامني إلى مدارات بعيدة.
واختيارها كموضوع محوري لهذه الدورة، لم يأت اعتباطًا، بل جاء اعترافًا عمليًا بأن التنمية الحقيقية تُزرع من الجذور.
الأنامل تفكّر.. والعقول تُبدع
وبين فضاءات الورشات، والندوات، والتكوينات، تنبض فكرة واضحة: أن الحرفة ليست ما تصنعه الأيادي فقط، بل ما يتطوّر بفعل الحوار والمعرفة والانفتاح.
ومن ندوات علمية حول الاقتصاد الاجتماعي، إلى ورشات التصميم وتطوير المنتوجات التقليدية، مرورًا بلقاءات حول السجل الوطني للصناع التقليديين، ومزايا بطاقة الصانع، والتغطية الصحية الإجبارية… كلها أنشطة ترفد المعرض بالحياة، وتُهيئ الحرفي المغربي لمستقبل أكثر عدالة ومهارة.
الإنسان أولًا… ثم ما تصنعه يداه
ولأن المعرض لا ينسى أن الإنسان هو قلب التنمية، فقد بسط للمجتمع فسحته أيضًا:
مسابقات في حفظ وتلاوة القرآن الكريم، حملات تحسيسية حول السلامة الطرقية والتبرع بالدم، عروض فنية لفرق محلية وجهوية… كل هذا في تناغم ساحر يجعل من أيام المعرض لحظات عيشٍ ثقافية وإنسانية نابضة.
في هذا المعرض، حيث تُباع الصناعة التقليدية لا كسلعة، بل كهويّة، وحيث تتجاور الأروقة كما تتجاور البيوت في القرى، تكتب تنغير، بشراكة مؤسساتها وصنّاعها، صفحة جديدة من تنميةٍ ناعمة… صامتة كأغنية، ودافئة كيد امرأة تُطرّز الحياة.



