المغرب في طليعة وجهات المليونيرات بإفريقيا

- Advertisement -
فرح – وكالات

في سنةٍ تُوشك على الانقضاء، وبين تلافيف الخرائط المالية التي تعيد رسم ملامح النفوذ، لم تعد إفريقيا مجرّد هامش في دفتر الاقتصاد العالمي، بل صارت رقعةً مشتهاةً ومتنافسًا عليها في سباق صامت بين الخسارة والانبعاث.

ففي الوقت الذي كانت فيه ثروات القارة تُهاجِر إلى حيث الأمان والامتيازات الضريبية، برز المغرب، إلى جانب موريشيوس وسيشل، كجزرٍ مستقلة في بحر النزيف، تستقطب الأثرياء بدل أن تودعهم.

المغرب: حين تنقلب الوجهة

لم يكن أكثر المتفائلين يظن أن المغرب، ذلك البلد الذي يتكئ على ضفاف المتوسط، سيصير فجأة وجهةً مفضلة للمليونيرات الباحثين عن سكينة المال واستقرار الوطن.

ومع ذلك، جاءت الأرقام في تقرير “هينلي وشركاؤه” كنسمة مفاجئة في صيف إفريقي حار.

فقد استقبلت المملكة مئة مليونير إضافي في سنة واحدة، محققًة رصيدًا صافيا لا يُستهان به، بثروة مهاجرة قاربت المليار دولار.

ولم يكن السحر في الأرقام فحسب، بل في ما توحي به: بلدٌ يحتفظ بجاذبيته بفضل توازنه السياسي، وقربه من أوروبا، وقطبه المالي المزدهر في الدار البيضاء، فضلاً عن دفء الإنسان الذي يجعل من الحياة استثمارًا آمنًا في حد ذاتها.

الجزر الصغيرة التي تهمس بأحلام كبيرة

بعيدًا في المحيط، تلمع موريشيوس وسيشل مثل لآلئ تعيد تعريف معادلات الجذب الاقتصادي.

الأولى، بدفء شواطئها ونظامها الضريبي الشفاف، تجتذب النخبة الناطقة بالإنجليزية من القارة، وتؤسس لنموذج مالٍ رشيدٍ وسط محيط عاتي.

أما الثانية، فتغوي الأثرياء بجنتها الخضراء، وحوافزها الضريبية، وانعدام ضرائب الدخل والميراث، وكأنها تقول لهم: هنا، يمكن للثروة أن تنمو بلا خوف.

حين تعجز الجغرافيا عن الاحتفاظ بأصحابها

لكن إن كانت هناك دول تفتح ذراعيها للثروة، فهناك أخرى تودّعها في صمت ثقيل. أنغولا، مصر، نيجيريا، وجنوب إفريقيا… بلدانٌ كبرى بعجز صارخ في قدرتها على الاحتفاظ بأصحاب الملايين.

من مصر التي خسرت مئة مليونير إلى نيجيريا التي ودّعت ضعف هذا العدد، ومن جنوب إفريقيا التي سجّلت عجزًا بمئتين وخمسين مليونيرًا، يبدو أن الأمل يُهاجر مع المال، باحثًا عن موطنٍ جديدٍ حيث لا تضيق الأبواب ولا تخنق القوانين.

وإذا كان النزيف متفاوتًا في حجمه، فإن دلالاته واحدة: أزمة ثقة، وتعب بنيوي، وفرص تُفلت من اليد في لحظة اضطراب.

الإمارات: مرافئ الذهب وحدائق الطمأنينة

وفي مرمى البصر، تتربّع الإمارات العربية المتحدة على عرش الملاذات. تسعة آلاف وثمانمئة مليونير اختاروها عنوانًا جديدًا لثرواتهم، ومرسىً لأحلامهم.

دبي، بأبراجها المتعالية وبحرها المترقرق، لم تعد مجرد مدينة، بل صارت تعبيرًا عن أمانٍ مالي لا يُضاهى، وعن حيوية اقتصادية لا تُقاوَم. لا ضرائب على الدخل، ولا خوف من المستقبل، ولا انتظار لما لا يأتي.

هناك، يصبح المال لغةً يومية، ويغدو الأمل قانونًا ماليًا مكتوبًا على لوحات البورصة.

خريطة جديدة في زمن متقلب

وليست موناكو، بوجاهتها الأرستقراطية، ولا مالطا، باستقرارها الأوروبي، غائبتين عن المشهد. ففيهما يجد الأفارقة النخبة استقرارًا قانونيًا، وأرضًا خصبة لنمو الثروات، في ظل غياب ما يشبههما في الداخل الإفريقي.

ويكفي أن نعرف أن مالطا تحتضن أكثر من 500مليونير لتدرك أن القارة العجوز لا تزال جذابة حين تعجز القارة الأم عن الإقناع.

عودة خجولة في الجنوب

ورغم هذا التفاوت، تُسجّل جنوب إفريقيا ما يشبه لحظة الالتقاط. فالعجز المسجل هذه السنة، وإن كان مؤلمًا، يظل الأقل منذ جائحة كوفيد.

ويُرجَّح أن يكون ذلك مرتبطًا بعودة بعض الأثرياء من بريطانيا، بعد التعديلات الضريبية الأخيرة التي دفعت كثيرين إلى إعادة النظر في وجهاتهم. إنها عودة جزئية، نعم، لكنها تحمل في طياتها احتمالات الترميم، إن أحسن الداخل الإفريقي الإنصات لها.

إفريقيا ذات السرعتين… سباق لا يرحم

ما كشفه التقرير ليس مجرد أرقام، بل مشهد اقتصادي فاصل. قارةٌ تنقسم على ذاتها: دولٌ تستبق الزمن وتستعد للمستقبل بمؤسسات قوية وقوانين مرنة، وأخرى عالقة في دوامة التردّد والاضطراب.

والمفارقة أن الدول الصغيرة، كالجزر المنسية في الأطلسي أو المحيط الهندي، هي من تتقن قواعد اللعبة، بينما الكبار لا يزالون يتعثرون في بناء الثقة.

تحرير من طرف: علاء البكري