علاء البكري
في فجر معتم من أواخر يونيو الفائت، رصدت كاميرات المراقبة في إسطنبول مشهدًا يُدمي القلب: امرأة تحمل كيسًا أسود، تضعه على قارعة الطريق عند الساعة الخامسة واثنتين وخمسين دقيقة صباحًا، ثم تمضي مسرعة.
لم يكن في الكيس ما يُرمى، بل روحاً وليدة أُغلقت في صمتها الأبدي قبل أن تكتشف معنى الحياة.
لقد بدا الشارع في تلك اللحظة شاهدًا صامتًا على خيانة كبرى، حيث يُترك طفل بلا حول ولا قوة في العراء، يواجه برد الفجر ووحشة الرصيف بدل دفء الحضانة وحنان الأمومة.
من الشك إلى اليقين
الشرطة التي استدعيت إلى حي “روملي” وجدت جثة رضيع حديث الولادة، لتبدأ رحلة التحقيق بين الصور والوجوه.
لم يطل الوقت حتى قادت الأدلة إلى مواطنة مغربية تبلغ من العمر ثلاثين سنة، تعمل نادلة في أحد المطاعم.
حاولت في البداية إنكار التهمة، زاعمة أن ما رمته مجرد أغطية متسخة كانت تنوي التخلص منها، بيد أن الحقيقة لا تُحجب طويلًا.
تقرير معهد الطب الشرعي الصادر في 25 غشت كان القاطع: نسب الأمومة مؤكد بنسبة 99,99 في المئة، ليغدو الإنكار مجرد ستار هشّ أمام قوة البراهين العلمية، وتسقط آخر محاولة للهروب من ثقل الجريمة.
ادعاء عام لا يرحم
أمام هذه الحقائق الصارخة، التمس المدعي العام في إسطنبول أشد العقوبات، مطالبًا بالسجن المؤبد بتهمة محاولة القتل العمد في حق طفل عاجز عن الدفاع عن نفسه.
ولم يكتف القانون هنا بوصف الفعل بالجريمة، وإنما اعتبره جريمة مضاعفة، لأن الضحية طفل حديث الولادة لا يملك من الدنيا سوى صرخته الأولى التي وُئدت قبل أن يسمعها أحد.

واستند الادعاء إلى المادة 82 من القانون الجنائي التركي، التي تُشدد العقوبة حين يكون الضحية طفلًا أو امرأة أو شخصًا في وضع ضعف، لتصير كلمات القانون محاولة يائسة لتعويض حياة وُئدت على قارعة الطريق.
حين تتحول البراءة إلى درس للمجتمع
وهذا الحدث، رغم وقوعه في إسطنبول، يظل مأساة إنسانية تعكس هشاشة الحياة وعرضة البراءة للخذلان، ويضع أمام أعيننا مسؤولية المجتمع والدولة في حماية الطفولة أينما كانت.
وفي الوقت الذي تتولى فيه العدالة التركية مهامها، يبرز في الأفق درس أكبر لكل مجتمع: ضرورة التربية والتوعية، وتعزيز التضامن بين الأسر والمحيط لضمان ألا تتحول مأساة طفل مغربي أو غيره في الغربة إلى رقم ضمن إحصائيات لا تُحرك الضمائر.



