الدكتورة والباحثة أسماء المرابط تُعيد طرح سؤال الشريعة بين المرجعية الإسلامية والعلوم الاجتماعية

- Advertisement -

في ظل الجدل المتجدد حول موقع الدين في المجتمعات المعاصرة، احتضنت أكاديمية المملكة المغربية لقاءً فكرياً أطرته الدكتورة أسماء المرابط، الباحثة المتخصصة في قضايا الإسلام والحداثة، تحت عنوان: “الشريعة اليوم: بين المعايير الإسلامية والعلوم الاجتماعية.”

اللقاء، الذي يندرج ضمن مبادرة أكاديمية تهدف إلى فتح فضاءات للتفكير النقدي في القضايا الدينية الراهنة، جمع ثلة من المفكرين والباحثين من المغرب وخارجه. وقد تركزت النقاشات حول مساءلة مفهوم الشريعة بعيداً عن القراءات النمطية، ضمن مقاربة تزاوج بين المرجعية الإسلامية وأدوات العلوم الاجتماعية الحديثة.

في كلمتها الافتتاحية، أعربت الدكتورة المرابط عن شكرها للأمين السر الدائم للأكاديمية، الأستاذ عبد الجليل الحجمري، على دعمه لهذه المبادرة، مثمنةً في الوقت ذاته مساهمة عدد من الأساتذة والباحثين، من بينهم سليمان بشير ديان وعلي بن مخلوف، الذين شاركوا في تشكيل مجموعة عمل تسعى إلى تفكيك الخطابات السائدة حول الشريعة وفتح نقاش علمي رصين حول موقعها القانوني والاجتماعي والثقافي داخل المجتمعات الإسلامية المعاصرة.

المعروفة بجرأتها في إعادة قراءة النص الديني من منظور مقاصدي وإنساني، شددت الدكتورة المرابط على أن الهدف من هذا اللقاء ليس إثارة الجدل لذاته، بل الإسهام في تجديد الفكر الديني وطرح أسئلة ملحّة حول علاقة الشريعة بالتحولات الاجتماعية وقضايا العدالة والحرية وحقوق الإنسان، في سياق عالمي يتسم بالتغير والتعقيد.

 “الشريعة اليوم بين المعايير الإسلامية والعلوم الاجتماعية”

عنوان مائدة مستديرة نظمتها أكاديمية المملكة المغربية يوم الأربعاء 17 شتنبر 2025

 تدخل الدكتورة والباحثة أسماء المرابط  حاورتها فوزية طالوت المكناسي 

فرح . كيف يمكن فهم الشريعة اليوم في ضوء السياقات الاجتماعية الحديثة، وهل يجب أن يُنظر إليها كمجموعة أحكام ثابتة أم كمنهج أخلاقي ديناميكي قابل للتطور؟

الأستاذة المرابط . فهم الشريعة في العصر الحديث يستدعي التمييز بين ثوابت العقيدة والأحكام المستمدة من الاجتهاد الفقهي، وبين المعاني الأخلاقية والاجتماعية التي تتجاوز نصوص الأحكام الصريحة. الشريعة تمثل إطارًا متكاملًا للأخلاق والعدالة، مهيأة لإصلاح الفرد والمجتمع. النظر إليها اليوم كمنهج أخلاقي ديناميكي يبرز قدرتها على التكيف مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، مع الحفاظ على الثوابت الدينية الجوهرية. 

ويقتضي ذلك اعتماد منهج مرن يجمع بين الالتزام بالقيم الجوهرية والاستجابة لمتطلبات العصر الحديث.

أسماء المرابط

فرح.  ما هي انعكاسات التحولات التاريخية في مفهوم الشريعة، من كونها ممارسة أخلاقية ومسارًا للوعي الديني إلى اعتبارها أداة لتشريع القوانين، على المجتمع الإسلامي المعاصر؟

ال . التحولات التاريخية منذ العصور الوسطى وفترات الدولة الحديثة حولت الشريعة من ممارسة أخلاقية وروحانية إلى أداة لتأطير التشريع العام، مما أثر على البعد الإنساني والروحاني للشريعة وجعلها أحيانًا مرادفًا للقانون الوضعية. 

ينعكس هذا على المجتمع الإسلامي المعاصر في شكل توترات وتحديات تواجه المؤسسات القانونية والفقهية، التي يتعين عليها المواءمة بين أحكام الشريعة التقليدية ومتطلبات الدولة الحديثة في مجالات الحقوق الفردية والعدالة الاجتماعية وحقوق المرأة، مع الحفاظ على دور الشريعة كمرجع أخلاقي متكامل.

فرح. إلى أي حد أثر الاستعمار على صياغة ما يُعرف اليوم بـ “القانون الإسلامي”، وما هي التحديات التي يواجهها الباحثون لفك التراث الكلاسيكي عن تأثيرات التحولات الكولونيالية؟

ج. أثرت التجربة الاستعمارية على صياغة القوانين الإسلامية الحديثة، خصوصًا في المجالات المدنية والجنائية والأحوال الشخصية، من خلال اعتماد أشكال مختلطة جمعت بين الفقه التقليدي وتعديلات استعمارية تهدف إلى تنظيم الإدارة والسيطرة. 

يواجه الباحثون تحديًا كبيرًا في التمييز بين النصوص الفقهية الأصلية ومقتضيات الاستعمار، إذ كثير من المصادر الحديثة تتعامل مع التراث الفقهي عبر تأويلات محكومة بظروف الاحتلال. 

تتطلب دراسة هذه المسألة نقدًا تاريخيًا دقيقًا وتحليلاً للخطاب القانوني والفكري لإعادة قراءة الشريعة في سياق معاصر، مسترجعةً جوهرها الأصلي.

فرح. في ظل التناقضات بين الفقه التقليدي والقوانين الوضعية الحديثة، كيف يمكن تحقيق توازن بين المرجعية الإسلامية ومتطلبات العدالة الاجتماعية والمساواة بين الرجل والمرأة؟

ا ل. تحقيق التوازن بين المرجعية الإسلامية ومتطلبات العدالة الاجتماعية والمساواة بين الرجل والمرأة يستلزم اجتهادًا فقهيًا مستنيرًا يقرأ السياق الاجتماعي والاقتصادي الحديث، مع التمسك بمبادئ الشريعة العامة كالعدالة والرحمة والمصلحة. 

يشمل ذلك تطوير اجتهاد نسوي إسلامي يعيد تفسير نصوص الأحكام المتعلقة بالمرأة بما يحقق المساواة والكرامة الإنسانية، دون الابتعاد عن روح الشريعة.

ويتيح هذا النهج صياغة قوانين وطنية تراعي المرجعية الدينية وتحقق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين، مع تفادي الجمود التقليدي والانحراف عن القيم الجوهرية.