دعا المرصد الوطني للإجرام إلى مراجعة عاجلة للإطار القانوني المتعلق بمكافحة المخدرات وتحديثه لمواكبة ظهور وانتشار مخدرات اصطناعية جديدة، وعلى رأسها مخدر “البوفا”. جاء ذلك ضمن دراسة تحليلية حديثة بعنوان: “مخدر البوفا في المغرب: تحليل الاتجاهات والاستجابات الاستراتيجية”، التي رصدت ملامح تصاعد الظاهرة وقدّمت توصيات للتصدي لها.
“البوفا”: خليط خطير ظهر في زمن الجائحة
تُعد “البوفا” مزيجًا غير متجانس من بقايا الكوكايين ومواد كيميائية وأدوية مختلفة. ظهرت أول مرة سنة 2020 وانتشرت سريعًا خلال جائحة كوفيد-19 بفعل صعوبات تهريب المخدرات المستوردة. وقد أثار هذا المخدر قلق السلطات الصحية والأمنية لخطورة تأثيراته وسهولة تصنيعه محليًا بوسائل بسيطة.
أرقام مقلقة: تضاعف المحجوزات وارتفاع الموقوفين
عالجت الأجهزة الأمنية بين 2022 و2024 ما مجموعه 878 قضية مرتبطة بـ”البوفا”، أسفرت عن توقيف 1,044 شخصًا ومصادرة ما يفوق 18 كيلوغرامًا من هذه المادة. وقفزت الكميات المحجوزة من 493 غرامًا سنة 2022 إلى 9,697 غرامًا سنة 2024، بينما بلغ عدد الموقوفين ذروته سنة 2023 بـ482 شخصًا.
انتشار حضري وفئات هشة في قلب الظاهرة
تتركّز الظاهرة أساسًا في المناطق الحضرية حيث سُجّل 82% من المحاضر الأمنية و76% من الموقوفين. وتستهدف الفئة العمرية 18–55 سنة بنسبة تفوق 90%، مع هيمنة للذكور تقارب 89%. كما يظهر أن أغلب المتورطين في وضعيات هشاشة بسبب البطالة أو الانقطاع المبكر عن الدراسة.
فجوة قانونية وتحديات تقنية
أبرزت الدراسة وجود فجوة قانونية في ظهير 1974 المتعلق بالمخدرات، إذ لم يعد مواكبًا لتطور الظاهرة. وأوصت باستكمال الإطار التنظيمي وإدراج تعريفات دقيقة للمخدرات الاصطناعية وتشديد العقوبات على الإنتاج المحلي غير المشروع. كما دعت إلى تحديث المختبرات الجنائية وتجهيزها بأحدث التقنيات وتكوين خبراء في التحليل الكيميائي.
نظام إنذار مبكر وقاعدة بيانات وطنية
اقترحت الدراسة تطوير نظام إنذار مبكر لرصد المواد الجديدة قبل تفشيها، وإنشاء شبكة رصد وطنية متخصصة مع قاعدة بيانات موحدة تُيسّر على مختلف المتدخلين تتبّع الظاهرة بشكل استباقي ومنسّق.
الوقاية والتحسيس والعقوبات البديلة
شدّد المرصد على العمل الوقائي عبر حملات توعوية موجّهة للفئات الأكثر عرضة للخطر وتفعيل برامج تحسيسية داخل المؤسسات التعليمية. كما أوصى بتسريع إحداث مراكز علاج جهوية متخصصة، وتوسيع اللجوء إلى العقوبات البديلة بدل السجن، مع تعزيز برامج الإدماج المهني والاجتماعي للمتعافين.
تعزيز التعاون الدولي والإقليمي
دعت الدراسة إلى تقوية التعاون القضائي والأمني مع الدول الأخرى لتبادل المعلومات حول الشبكات الإجرامية العابرة للحدود وتقاسم التجارب الناجحة في العلاج والوقاية، بالنظر إلى الطبيعة العابرة للحدود لهذا التهديد.
مؤهلات وطنية قائمة وتحديات مستمرة
رغم التحديات، تؤكد الدراسة أن المغرب يتوفر على بنية مؤسساتية قوية وخبرة متراكمة في محاربة المخدرات، انطلاقًا من دور المرصد المغربي للمخدرات والإدمان وشبكة مراكز العلاج المتخصصة، وصولًا إلى حضور المملكة داخل الهيئات الأممية المعنية.
تقارير أممية: خطر عالمي متصاعد
تتماهى خلاصات المرصد الوطني مع تحذيرات الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات في تقريرها لسنة 2024، الذي اعتبر صناعة المخدرات الاصطناعية “تهديدًا رئيسيًا للصحة العامة العالمية”. كما أشار تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لعام 2025 إلى أن هذه المخدرات باتت تهيمن على سوق المخدرات العالمي.
إيمان البدري



