القنيطرة: بين أعباء التسوّل ونداء الكرامة

- Advertisement -

تقع القنيطرة، عاصمة الغرب المغربي، على الساحل الأطلسي، وتتميز بموقعها الاستراتيجي الذي يجعلها مركزًا حضريًا نابضًا بالحياة والتجارة والثقافة. تمثل شوارعها، ومقاهيها، وأسواقها، فضاءات للتلاقي الاجتماعي، لكنها في الوقت ذاته تعكس صورًا واقعية لتحديات اجتماعية عميقة، أبرزها ظاهرة التسول التي طالت أطفالها وشبابها.

التسول: مشهد يومي يزعج مرتادي المدينة

لا يمر يوم، بل لا تمر دقيقة أو دقيقتان في القنيطرة دون أن يشاهد المتجولون، وسائقو السيارات، ورواد المقاهي، مشاهد متكررة لأطفال وشباب يمارسون التسول في التقاطعات والأسواق والممرات العامة. وتؤثر هذه الظاهرة، التي تتعدى مجرد الحاجة، على جمالية المدينة وتجعل من الأماكن العامة فضاءات توتر بين المارة والمتسولين، حيث تتقاطع حياة المدينة اليومية مع آلام الفقر والإهمال.

الأطفال هم الضحايا الأبرز

يبقى الأطفال هم الضحايا الرئيسيون لظاهرة التسول، إذ يتم استغلالهم أحيانًا من قبل أسرهم، وأحيانًا من شبكات منظمة تستغلهم لتحقيق أرباح مالية. يتعرض هؤلاء الأطفال للظروف المناخية القاسية، سواء في حرارة الصيف أو برد الشتاء، ويستخدم بعضهم المخدرات المنوّمة لتسهيل السيطرة عليهم. هذه الممارسات تترك آثارًا مدمرة على النمو الجسدي والعقلي للطفل، وتزيد من هشاشة المجتمع.

جذور المشكلة: الفقر والتفكك الاجتماعي

تتنوع أسباب هذه الظاهرة بين العوامل الاقتصادية والاجتماعية والقانونية. الفقر المدقع، ضعف منظومات الحماية الاجتماعية، تغيّر البنية الأسرية، وانخفاض المستوى التعليمي، كلها عوامل تتضافر لتنتج بيئة خصبة لانتشار التسول. كما أن غياب الوعي الأسري والمجتمعي يزيد من خطورة هذه الظاهرة، ويحوّل الشوارع إلى ساحة استغلال للأطفال والمسنين والنساء والأشخاص ذوي الإعاقة.

الأدوار المتعددة: من المسؤول؟

تتوزع المسؤولية عن التسول بين عدة أطراف. الأسرة، في بعض الحالات، هي المحرك الأول لهذه الظاهرة. الدولة مطالبة بتفعيل قوانين حماية الطفل وتعزيز التعليم والرعاية الاجتماعية. المدرسة والمجتمع المدني يواجهان تحديات في توعية الأطفال واحتوائهم. أما الجمعيات، فعلى الرغم من جهودها، تواجه محدودية الإمكانات ونقص الدعم. وتتطلب هذه المنظومة المعقدة تكامل الأدوار لضمان حماية الفئات الأكثر هشاشة.

حلول ممكنة: نحو مجتمع متماسك

تقتضي معالجة التسول إرادة سياسية حقيقية ووعيًا مجتمعيًا شاملًا، مع تركيز على حماية الأطفال وتوفير تعليم إلزامي مجاني، وإنشاء مراكز اجتماعية لإيواء الأطفال المشردين. ويساهم تعزيز الدعم الاقتصادي للأسر الضعيفة، وتشديد العقوبات على مستغلي الأطفال، والحد من التسول المهني، في الحد من هذه الظاهرة. كما يستلزم الأمر عقد مناظرات وطنية لمناقشة الظاهرة من جميع الزوايا وإيجاد حلول عاجلة وفعّالة.

التسول والالتزامات الدولية

مع اقتراب المغرب من استضافة تظاهرات كروية عالمية، أبرزها كأس إفريقيا للأمم 2025 وكأس العالم 2030، يصبح الحد من التسول ضرورة ملحة، لضمان جمالية المدينة، وللوفاء بالتزاماته الدولية في مجال حماية الطفولة والحقوق الإنسانية.

علاء البكري