فتحت ساعة الظهر أبواب السكون في قطاع غزة، حين أعلن الجيش الإسرائيلي دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، فهربت دقائق الدمار من شوارع القطاع، وبدأت ملامح الأمل تنبثق في عيون النازحين العائدين إلى الشمال عبر شارع الرشيد.
ثم أعلنت القوات تمركزها على خطوط الانتشار الجديدة استعدادًا لخطوات تنفيذ الصفقة وعودة الرهائن، وسط تحذيراتٍ من الاقتراب من معبر رفح أو مناطق خان يونس.
بعد 735 يومًا: لحظة صمت تنسّحها العودة
بعد نحو 735 يومًا من الحرب الطاحنة التي نزلت بثقل على أهل غزة، جاء الإعلان ليمنح المدينة فرصتها الأولى للتنفس. نكست الطائرات أجنحتها، وتراجع المدفع عن المشهد، ليبدأ العزل الزمني بسلام هشّ، وتوجه آلاف النازحين صوب شمال غزة، يفترشون الطريق بحثًا عن بقايا بيوتهم التي قد لا تزال قائمة رغم الخراب. وتزامن هذا الحدث مع إعلان انسحاب جزئي للقوات الإسرائيلية باتجاه “الخط الأصفر” حسب ما ورد في نسخة الاتفاق التي صادقت عليها حكومة تل أبيب في ليلةٍ سادها التوتر والترقب.
الرهائن في الانتظار والحرية الموعودة
ووفقًا للاتفاق، يتعيّن على حركة حماس الإفراج عن الرهائن بحلول يوم الإثنين عند الساعة الثانية عشرة ظهرًا. وفي ليلتها، اجتمعت قيادات إسرائيلية وأمريكية لنقاش “اليوم التالي لغزة”، في حين طُبخت صيغة الصفقة بعناية دبلوماسية، تمهيدًا لتحويل هذا الهدوء الموقّت إلى إطار سلام يحمل معه الأمل في العودة والبناء.
مشاهد العودة بين الأنقاض
وفور بدء الهدنة، ظهرت مشاهد عودة الفلسطينيين إلى شمال القطاع، عبر شارع الرشيد العظيم، بين الدمار والغبار، كأنما الأقدام تحاول إحياء الحُلم. الثغرات في الجدران والأنقاض التي تهشّمت، تُخاطبهم بصمتٍ مفعم بالحزن والصدق. قلوب الناس ترتجف، والعين تنتظر أن ترى بيوتها وإن كانت قد قضت عليها الحرب، لتختار أن تحيا فوق الأنقاض إن لم تبقَ على أسسها الأصلية.
ما بعد الهدنة: مسؤوليات عملية وأخلاقية
الهدنة ليست سوى وقفة في لوحة لا تزال تُرسم بمعانٍ ثقيلة، ففتح المعابر ومرور المساعدات سيختبران إن كانت الكلمات ستحرّك المآذن والرؤوس لتستجيب لنداء الإنسانية. ومن زاوية دنيا، فإن مهمة إعادة البناء تبدأ بعودة الناس إلى بيوتهم، وكفالة الحقوق التي تأخرت طويلاً، في حين أن قوة الضغط الدولي – كما عبرت عنها تعهدات أممية بتوسيع الإغاثة خلال الأسابيع الأولى – ستكون حجر الزاوية في استمرار السلام.
هدنة تنتظر اختبار البقاء
حين تدخل الهدنة حيّز التنفيذ، تنفتح المدينة على لحظة صمت، لكنه صمتٌ وثيق يتنبأ بلحظة ولادة. ولعل العودة من وسط الدمار إلى طريقٍ شمالي، تحمل في طيّاتها وعدًا بأن غزة ستنهض من جديد، وأن جراحها ستُضمَّد بعزمٍ يُصدّع الليل بصوت الحياة.
تحرير: علاء البكري



