جيل متصل بالعالم ومتجذر في الواقع
حركة “جيل زد +212”، التي يستمد اسمها من رمز الهاتف المغربي، ليست موجة عابرة على الإنترنت، بل تعبير منظم عن وعي جماعي جديد. وإن وصفها البعض بالسذاجة، فهي تعبّر عن طاقة نقدية متقدة، وشغف بالمعنى، ورغبة في التأثير الفعلي في المجتمع. هؤلاء الشباب يتميزون بسرعة تواصلهم وجرأتهم في التعبير. تجاوزوا الصور النمطية التقليدية، بما فيها تلك المتعلقة بالنوع الاجتماعي، وأصبحوا يرددون في الشوارع شعارات موحّدة: الصحة، التعليم، العدالة الاجتماعية، الكرامة. لقد حوّلوا فضاءات الإنترنت إلى مختبر للتعبير والوعي الجماعي، مستخدمين أدوات ذكية ومنصات فعّالة مثل تيك توك، ديسكورد، إنستغرام، وفيسبوك. اليوم، كل شاب يحمل هاتفًا ذكيًا هو في ذاته نافذة على العالم ومنبر للتعبير؛ يرى، ويسمع، ويتفاعل، ويقارن، ويتعلّم. بهذه البساطة تحوّل العالم إلى قرية صغيرة، وصار الشباب المغاربة مواطنين رقميين عالميين دون أن يفقدوا ارتباطهم العميق بقضاياهم المحلية. ولعلّ إشارة جلالة الملك محمد السادس، في خطابه لافتتاح الدورة البرلمانية الأخيرة، إلى أهمية إعادة بناء قطاعات الإعلام والاتصال، تعبّر عن وعي رسمي بضرورة التكيّف مع هذا التحول المجتمعي العميق.
فهم الجيل الجديد: “بناة المعنى”
جيل Z+212 لا يشبه من سبقه؛ فهو جيل يعيش زمنًا سريعًا ومكثفًا، يختزل العالم في شاشة، والرسالة في ثانية. اللغة لم تعد حاجزًا، فالترجمة الفورية جزء من المنصات، بل إن الشباب أبدعوا لغتهم الخاصة: لغة رمزية وبصرية عالمية تجمع بين الفيديو القصير، والموسيقى، والرموز. لا يريد هذا الجيل شعارات جاهزة، بل أفعالًا ملموسة. لا ينتظر أن يُخاطَب، بل أن يُشارَك. إنه يطالب بقيم تُمارَس لا تُعلَن، ويفضّل الحوار الأفقي على الخطاب العمودي. جيل فاعل لا متلقٍ، منفتح على العالم، لكنه واعٍ بقضاياه المحلية. شعاراته الاجتماعية والسياسية تعبّر عن وعي جمعي جديد، وإيمان بأن التغيير لا يأتي من الأعلى فقط، بل من الفعل اليومي المشترك.
أي تواصل يحتاجه هذا الجيل؟
لم تعد الحملات الاتصالية التقليدية قادرة على إقناع هذا الجيل. الشباب اليوم يريدون الصدق قبل الجمال، والشفافية قبل البلاغة، والنتائج قبل الوعود. يريدون قصصًا حقيقية، ومشاريع ملموسة، وأصواتًا نزيهة، لا حملات دعائية مثالية بعيدة عن واقعهم. إن التواصل الفعّال مع جيل Z+212 يقوم على ثلاث ركائز أساسية: الأصالة، الفائدة، والشمول. لم تعد الرسالة محصورة فيما نقوله فقط، بل فيما نفعله وكيف نشاركه وأين نعرضه. فالتواصل لم يعد إعلانًا أو خطابًا، وإنما صار تجربة مشتركة تخلق المعنى والثقة. من هنا، تُعدّ المبادرات التشاركية، والفضاءات الهجينة (الرقمية والميدانية معًا)، أدوات ضرورية لإعادة بناء الثقة بين الشباب والمؤسسات.
من الخطاب إلى الفعل: تمكين الشباب صنّاعًا للتغيير
التحدي الحقيقي اليوم لا يكمن في الحديث عن الشباب، بل في إتاحة المساحة لهم للتحدث والفعل. يجب إشراكهم في مشاريع تربط المحلي بالعالمي، تشجع الإبداع والتفكير النقدي، وتُبرز المبادرات التي يقودونها بأنفسهم. كما أن التواصل تجاوز الوسيلة ليصبح رافعة للتحرر والتحول الاجتماعي، واستراتيجية للتأثير الجماعي. بعد جيل Z+212، سيتحول التواصل من مجرد صورة تُسوَّق أو شعار يُرفع إلى رؤية جديدة للعالم: رؤية تجعل من التواصل فعلًا مدنيًا يترجم الوعي إلى مبادرة، والكلمة إلى تغيير. إن مخاطبة الشباب المغربي بكل تنوعه أضحى شرطًا أساسيًا لبناء المستقبل. فهذا الجيل لا ينتظر الكلام، بل يصنع الفعل.
فوزية طالوت مكناسي



