في خان يونس، المدينة التي اعتادت أن تُسدل ليلها على وجعٍ لا يهدأ، انحنى أقارب طفلين فلسطينيين فوق جثمانيهما الملفوفين بقماشٍ أبيضٍ مضمّخٍ بالدماء، وكأن السماء – في لحظةٍ خاطفة – نسيت أن تغمض عينيها عن هذا الفقد.
صرخات النساء ودعاء الرجال
كانت الأمهات ينتحبن عند الأبواب، والرجال يرفعون الأكفّ إلى الغيم، كأن الدعاء، مهما علا، لن يبلغ سوى رمادٍ متساقطٍ من السماء. في مستشفى ناصر، تكدّست الجثامين كما تتكدّس القصص التي لم تُكتب بعد. وبين الممرات، ارتفعت صيحات النساء في نغمةٍ تشبه ترتيلَ الأرض حين تفقد أبناءها واحدًا تلو الآخر.
ليالي البحث بين الركام
أما عناصر الدفاع المدني، فقد ظلّوا يبحثون بين الركام، يحملون مصابيحهم كما لو كانت شواهد قبورٍ صغيرة، والليل على قسوته لم يكن أشدَّ ظلمةً من عيونهم المتعبة.
الركام يهمس بأسماء الضحايا
في النصيرات، كان الركام يهمس بأسماء من رحلوا. خرج منير ميمن من تحت الحجارة، بعينٍ مضمّدةٍ وصوتٍ متلعثمٍ بالذهول، وقال: “كنا نتناول العشاء، وفجأة قامت القيامة”.
خوف الأطفال وسط خيمٍ ممزقة
وفي مخيم الشاطئ، الذي لم يعد يرى البحر، جلست خديجة الحسني إلى جوار خيمتها الممزقة، تُهدهد أطفالها الأربعة بينما الخوف – لا النوم – كان يغلق أعينهم الصغيرة، متسائلة: “هل كُتب علينا أن نحيا في معاناةٍ لا تنتهي؟”
الليل الذي لا يعرف الصمت
الليل في غزة – كما في كل الحروب – ليس لليل. إنه زمنٌ مؤجلٌ للوداع، وسماءٌ لم تعد تعرف كيف تصمت، وقلوب الأمهات تستقبل الموت وتزرع الأمل على أطراف الخوف.
علاء البكري



