في المصانع التي لا تزورها الكاميرات ولا الصحافة، تتحرك النساء بين ضجيج الآلات ورائحة الزيوت المعدنية، ينسجن خيوط الإنتاج بصبرٍ طويل، بينما تتراكم في الأجساد آثار التعب.
غير أن عبء العمل لا يتوقف عند حدود الجهد الجسدي، فخلف كل ورديةٍ تمتدّ من الفجر إلى المساء، تقف معركةٌ أخرى مع عقود العمل المؤقتة التي تلقي بظلها على حياتهن، وتحوّل أوقاتهن إلى دوامة من القلق والخوف.
هشاشة قانونية وحيرة مستمرة
أغلب العاملات في هذا القطاع يشتغلن بعقود قصيرة المدة، تتجدد في أغلب الأحيان بعد انتهاء كل فترة.
القانون يضمن حقوقهن بشكل جزئي، لكن التطبيق يبقى هشًا، والتجديد المستمر للعقود يترك شعورًا دائمًا بعدم الأمان.
تقول خديجة، عاملة في معمل للفراولة بضواحي القنيطرة: “كل ثلاثة أشهر أتساءل: هل سيستمر عقدي؟ هل سأجد نفسي فجأة بلا عمل؟ هذا التفكير يرافقني طوال اليوم”.
أما فاطمة، وهي أيصا عاملة في إحدى مصانع الكابلاج في ضواحي القنيطرة، فتقول: “أشعر أحيانًا أن حياتي كلها معلقة بعقد قصير، ولا أستطيع التخطيط لأي شيء. الخوف يرافقني منذ الصباح حتى نهاية الدوام”.
قلق مستمر وخوف من الطرد
وتحول العقود المؤقتة العلاقة بين الإدارة والعاملات إلى علاقة هشّة، مبنية على الخوف من الطرد أكثر من الالتزام بالواجب.
تضيف فاطمة، التي تعمل منذ عامين بعقد متجدد: “حتى لو ارتكبت خطأ صغيرًا، يخطر ببالي أن قدومي إلى العمل قد ينتهي. نشعر وكأننا على حافة الهاوية كل يوم”.
ويخلق العمل المتواصل تحت ضغط الزمن والماكينات، إلى جانب عدم اليقين حول الاستمرارية، إرهاقًا نفسيًا لا يقل عن الإرهاق الجسدي.
أصوات تتردد في صمت
النساء اللواتي يشتغلن بعقود مؤقتة يعشن بين توقعات الغد غير المؤكد واليأس المحتمل من فقدان العمل، لكنهن يواصلن الرحلة، يحاولن أن يجدن بعض الأمان وسط هذا الخوف المستمر.
شهاداتهن تكشف بوضوح هشاشة النظام، وتبرز الحاجة الملحة لإصلاحات قانونية تحمي المرأة العاملة، وتمنحها الاستقرار المهني الذي يليق بها.
بين المطرقة، المتمثلة في ضغط العمل وساعات الإنتاج الطويلة، والسندان، الذي يمثله الخوف الدائم من فقدان الوظيفة، تعيش النساء في مصانع الكابلاج حياة مزدوجة: تعب الجسد، وخوف النفس.
ربما يأتي يوم تُسند فيه الحقوق بشكل كامل، ويصبح للعقود ثبات، وللنساء شعور بالأمان والكرامة، بعيدًا عن انتظار التجديد والخوف من الطرد.
علاء البكري



